العراق.. حروب التقسيم القادمة

إن الحرب المستقبلية المبنية على أسس طائفية وعرقية في بعض مدن العراق المتنوعة عرقياً وطائفياً في مرحلة ما بعد داعش باتت تلوح بالأفق، والذي ساعد على ذلك الوهن الذي قد يؤدي إلى تمزيق العراق والعملية السياسية القائمة على المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية، وما السجال حول معركة الموصل إلا مؤشرٌ على أنّ الحرب على داعش في العراق لن تكون المرحلة النهائية في الصراعات المسلّحة بالعراق، بل ربما تكون مقدمة لحروب أهلية مركبة

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/19 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/19 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش

ليس بإمكان أحد الجزم بأن العراق باقٍ على وضعه كدولة موحدة، تضم كل أطياف الشعب العراقي، فمعظم المؤشرات تشير إلى أن مستقبل هذا البلد وللأسف الشديد هو التقسيم إلى ثلاث دول على أساس طائفي وقومي بعد أن ظل متماسكاً منذ عام 1920.

فساسة عراق ما بعد صدام حسين فشلوا فشلاً ذريعاً في إنشاء الدولة الوطنية التي تذوب فيها كل القوميات لصالح أمة عراقية واحدة، إن السياسات الطائفية والفئوية ما زالت تنخر جسد العراق محاولةً تقسيمه لثلاثة أجزاء، جزء شيعي يلقى كل الدعم من الحكومة وإيران، وجزء سني مبتلى بتنظيم عنيف ودموي دمر البنى التحتية لمناطقه، كما أنه مهمش بل ومبعد عن المشاركة في عملية صنع القرار السياسي تحت يافطة "الديمقراطية" التي منحت الأغلبية المزعومة التحكم بمصير البلد برمته، وجزء كردي له مشروعه القومي الاستراتيجي في بناء دولته الكردية المنشودة ولا يخفون مشروعهم، ويصرحون فيه علناً وعلى مختلف الصعد.

هذه الأجزاء الثلاثة في المشهد السياسي العراقي دليل واضح على أن حكام العراق متأسلمون وعلمانيون فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق وحدة العراق. أمام العراقيين ثلاثة خيارات: إما الاستمرار في حالة الاقتتال والصراع المسلح ذي الصبغة المذهبية والقومية الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى "الحرب الطائفية"، أو التقسيم السيادي الكامل، أو التقسيم الإداري الفيدرالي الإيجابي.

كل المؤشرات تشير إلى أن العراق بكافة قومياته يتجه لحرب أهلية تجر البلاد لمستقبل مظلم، لعنة الحرب لن تصيب السنة والشيعة فقط، بل ستضرب جميع مكونات هذا البلد الذي يئن من حربه المستعرة منذ أعوام، قد نشهد حرباً بين جماعات الشيعة والسنة، والكرد قد يدخلون طرفاً فيها وضمن مساحات جغرافية محددة؛ لأنهم حرروا بالدم مناطق شاسعة من ديالى ونينوى وصلاح الدين وكركوك، وهم غير مستعدين لتسليمها لحكومة بغداد المحسوبة على الشيعة، حتى إن بارزاني قال بصريح العبارة إن المنطقة تتغير، وإن حدود كردستان تتشكل من جديد و"سترسم بالدم".

في الأنبار التي كانت كبريات مدنها كالفلوجة والرمادي، مثالاً لتمدد تنظيم الدولة، يدور نوع آخر من الصراعات والتجاذبات، تصفية الحسابات بين الأطراف المتصارعة بدت واضحة، فالعشائر السنية عقدت العزم على تنقية أفرادها ومحاسبة مراهقيها الذين ساندوا مسلحي "الخلافة الداعشية"، لكنها تدرك أن عليها مجابهة تمدد من نوع آخر، إنه تمدد "حماة الأعراض"، الحشد المقدس ومن خلفه إيران "الشيعوإسلامية".

شكل هذا التمدد قائمٌ على التحرير ثم التدمير، ولك أن تشاهد ما تلتقطه كاميرات هواتف "تيجان الرؤوس"، وهي تنقل مشاهد التفجير والتكبير، هم لم يكتفوا بترك تلك المدن التي دخلوها بعد أن قصفوها بصواريخ "نمر النمر" و"صاحب الزمان" بل عمدوا إلى تدمير حتى شوارعها، وبيجي والرمادي مدينتي "الأطلال والركام" كما تصفهما الصحافة الأميركية، خير شاهد، ناهيك عن الإعدامات والخطف والاختفاء القسري لآلاف من أبنائها وأبناء أخواتهما من المدن في الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك ونينوى، لا أريد أن أستعرض ما ليس بجديد، فالكل يعرف ما حدث وكيف حدث، ما أريده هو كتابة تصوراتي لمستقبل العراق "المنتهي عملياً الباقي نظرياً"، والذي يسير على سكة الحرب الأهلية.

عشرات الآلاف من المقاتلين المذهبيين غير النظاميين يشكلون ميليشيات مسلحة وقوية لدرجة أن قادتها يعطون الأوامر بالعمليات العسكرية وحظر التجوال والاستعراضات العسكرية الضخمة، فضلاً عن قرارات عودة النازحين لمناطقهم، تلك الميليشيات ليست راية واحدة، بل عشرات "الرايات المنتقمة" والمسلحة والمدربة إيرانياً، ولا تخضع لسلطة الحكومة التي بدت أكثر ذوباناً بالصراعات، خصوصاً بعد دخولها بدوامة سحب الثقة عن وزير الدفاع خالد العبيدي، التي نجم عنها صراعٌ سياسي عميق، حتى إن رئيس الوزراء حيدر العبادي عجز عن تكوين أي توافق استراتيجي حول الإصلاح، خصوصاً في الوزارات الأمنية المهمة.

فوحدات الجيش أصبحت مستقلة ولها أجندات خاصة بها، وبالتالي فإن قوات التحالف، خاصة أميركا، أصبحت تعتمد على كيانات أو وحدات مستقلة في قتال الموصل، مثل الأكراد أو العشائر السنية التي اتجهت لتسليحهما بشكل متصاعد، والنتيجة هي جيش ضعيف وشرطة هزيلة، وحشد شيعي قوي وعشائر سنية مفجوعة وتنتظر التسليح، وبيشمركة مسلحة وشبه نظامية.

إن الصراعات المسلحة المتنقلة عبر مناطق العراق تؤكد الضرر البالغ الذي لحق بوحدة المجتمع العراقي شديد التنوّع، وهو ضرر يتجّه نحو بلوغ درجة الانفجار بفعل ما هو قائم من فوضى السلاح، وكثرة الأجسام شبه العسكرية وغير النظامية، فضلاً عن وفرة عوامل التوتر من عداء طائفي وعرقي ومن تدخلات إقليمية تترجم حجم المطامع في العراق الضعيف. إذ يعتبر المهتمون بالشأن العراقي أنّ شبح الحرب الطائفية والعرقية أمر متوقع ومؤشرٌ خطرٌ على صراع مذهبي عرقي تغذيه المطامع الإقليمية، وقد يكون عنوان مرحلة ما بعد الحرب على داعش في العراق بما أفرزته من تغوّل قوات غير نظامية منفلتة من رقابة الدولة، في مقابل تراجع مكانة القوات المسلّحة العراقية وسقوط هيبتها.

إن الحرب المستقبلية المبنية على أسس طائفية وعرقية في بعض مدن العراق المتنوعة عرقياً وطائفياً في مرحلة ما بعد داعش باتت تلوح بالأفق، والذي ساعد على ذلك الوهن الذي قد يؤدي إلى تمزيق العراق والعملية السياسية القائمة على المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية، وما السجال حول معركة الموصل إلا مؤشرٌ على أنّ الحرب على داعش في العراق لن تكون المرحلة النهائية في الصراعات المسلّحة بالعراق، بل ربما تكون مقدمة لحروب أهلية مركبة ذات طابع قومي وطائفي، كل هذه المعطيات تقودنا إلى نتيجة مفادها أن الحرب ضد "داعش" هي حرب صغيرة ستسبق الحرب الأهلية الكبرى، التي ستكون أسوأ من مثيلاتها في لبنان وأفغانستان.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد