لا تنمية دون ديمقراطية

إن الديمقراطية باعتبارها من خصائص الحكم الرشيد؛ الذي يتأسس على التداول السلمي على السلطة، وعلى الربط البنيوي والعضوي بين ممارسة المسؤولية، والاستعداد للمساءلة والمحاسبة وتقديم الحصائل، من أجل تمديد التفويض للاستمرار في التدبير والحكم، أو إنهاء الانتداب السياسي لتحمل المسؤولية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/16 الساعة 04:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/16 الساعة 04:50 بتوقيت غرينتش

ما زالت أسئلة التنمية في الوطن العربي تطرح باستمرار وبإلحاح، في كل مناسبة ومن دون؛ لأنها أُم المعضلات الاجتماعية والاقتصادية التي تتخبط فيها دول الجنوب عامة، وأقطارنا العربية خاصة، ويتضاعف الشعور بالأزمة المرة والمريرة، عقب صدور تقارير التنمية البشرية الدولية، التي لا تحمل في الحقيقة جديداً لبلداننا، التي تواصل إحراز مراتب متأخرة في التصنيفات العالمية.

لكن تفسيرات هذه المنزلة المتخلفة، تتباين لدى الباحثين والمهتمين، ولدى الجهات المسؤولة عن التدبير والتخطيط، واتخاذ القرارات ورسم السياسات.. فإذا كان هناك فريق يرى أسباب التعثر عائدة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية، أو إلى تذبذب أسعار المواد الطاقية، والنفط خاصة، في الأسواق العالمية، وهبوطها الحاد، فإن هناك مَن يعزو تدحرج الدولة العربية في سلالم التنمية الاقتصادية والبشرية إلى نظرية المؤامرة الخارجية ضد دول الجنوب عامة، من لدن دول الشمال المتقدمة اقتصادياً.

يرى هؤلاء أن الغرب مستعمر الأمس لا يمكنه البتة أن يقبل بتقدم مستعمراته السابقة، فضلاً عن استقلالها الاقتصادي؛ لذلك فهو يحرص دائماً على عرقلة خطط النمو في دول الجنوب المتخلفة؛ لضمان دوام تبعيتها له في جميع مناحي الحياة، وهذا الغرب وإن كان حريصاً على بيع التقنيات والتكنولوجيات الحديثة للعالم المتخلف، فإنه حذر جداً ويرفض استنبات بذورها خارج أراضيه، ويحتفظ بأسرارها ومفاتيحها التي تعتبر خطاً أحمر لا يمكن تخطيه.

وفي علاقة بنظرية المؤامرة تلك، التي يؤمن بها بعض الناس في عالمنا العربي، يذهب بعضهم إلى اعتبار مؤسسات النقد الدولية مجرد آلية استراتيجية، تتحكم من خلالها الدول المتقدمة في الأقطار السائرة في دروب النماء، من خلال رهن كثير من الدول الدائنة بخطط اقتصادية تقشفية طويلة الأمد، فتمضي تلك البلدان المقترضة سنوات ذوات العدد في الإنفاق على المديونية الخارجية، عوض توفير مخصصاتها المالية للتنمية.
وهناك طبعاً من ينحو باللائمة؛ بسبب وضعية التخلف والترتيب السيئ في سلالم التنمية العالمية بأقطارنا العربية، على الفاعل السياسي أو الاقتصادي، أو هما معاً، لكن هل تساءلنا عن علاقة مستوانا التنموي بالديمقراطية؟

هل نحن متخلفون لأننا:
* لا نملك تخطيطاً استراتيجياً للتقدم؟
* ليس لدينا رغبة كافية للخروج من التخلف؟
* لا نملك الأطر الكفؤة والموارد البشرية الفعالة للنهوض؟
* لم نقُم بإرساء الديمقراطية؟
* لم نربط المسؤولية بالمحاسبة؟
* لم نعتمد مقاربة التدبير بالنتائج؟

لا يمكن للباحث أو الملاحظ أن يجزم بارتباط تخلفنا العربي بعامل واحد من العوامل المذكورة، إن معضلة التخلف أكبر وأعقد من أن يحيط بها سبب واحد، أو تفسير مفرد، لكن نميل لترجيح العلل الكلية والكبرى للتخلف؛ وأعتبر الديمقراطية في طليعة تلك الأسباب وأبرزها على الإطلاق.

إن الديمقراطية دعامة أساسية ومفصلية في أي مشروع نهوض حضاري تنموي اقتصادي واجتماعي.. من دونها سيستمر التخبط والتذبذب بين تجريب الحلول والإخفاق في تحقيق الإنجازات.

إن الديمقراطية باعتبارها من خصائص الحكم الرشيد؛ الذي يتأسس على التداول السلمي على السلطة، وعلى الربط البنيوي والعضوي بين ممارسة المسؤولية، والاستعداد للمساءلة والمحاسبة وتقديم الحصائل، من أجل تمديد التفويض للاستمرار في التدبير والحكم، أو إنهاء الانتداب السياسي لتحمل المسؤولية.

إن التنمية بعد إرساء آليات الحكم الديمقراطي السليمة، لن يغدو شعاراً مناسباتياً، أو أمنية من الأماني، بل يجب أن تصبح سياسة راشدة ومدروسة ومخططاً لها بإحكام.

إن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تعم بلداننا العربية في ظل الرأي الواحد والحكم المفرد، بل لا بد من تنافس بين الآراء والأفكار، والخطط السياسية والاقتصادية.. وهنا لا بد من إقرار التعددية الحزبية كمدخل شرعي وطبيعي للحكم الديمقراطي الرشيد.

ولا مناص من إجراء انتخابات حرة ونزيهة من أجل انتقاء الأجود من المشاريع والبرامج السياسية والاقتصادية من أجل انطلاقة قطار التنمية.
عالمنا العربي في أمَس الحاجة اليوم، إلى اعتماد النماذج الديمقراطية الناجحة في العالم، فلا يمكننا تقليد الغرب في بعض الشكليات التافهة التي لن تنفعنا من أجل اللحاق بركب التقدم، بل لا بد من تجريب وصفاته الفعالة والناجعة في مجال الحكامة السياسية والاقتصادية.

إن مشكلتنا في العالم العربي تتمثل في الاحتفاء بقشور الديمقراطية لا بلبها، مع مراعاة تباينات مجالية في إجراءات التطبيق، وأنماط الممارسة، بين الأقطار العربية، بطبيعة الحال (لقد فهم بعضنا) لا نعرف عن قصد أو من دونه، أن الديمقراطية هي عبارة عن أشكال وقوالب ومظاهر يجب استحداثها أو رسمها أو محاكاتها، فاكتفى بعضنا ببناء مقرات لمؤسسات تمثيلية للشعب، غير أننا نجد في بعض التجارب أن هذه المؤسسات عاجزة عن الاضطلاع بواجبها كاملاً، كما هو سائد في التجارب الناجحة في الغرب، ما فائدة برلمان أو مجلس الشعب، إذا كان عاجزاً عن محاسبة المدبرين، أو معاقبة المفسدين، والعابثين بالمصالح العليا للمواطنين؟

أي فائدة تُرجى من برلمان لا يشرع القوانين التي تؤهل بلداننا للارتقاء في سلالم التنمية؟
لقد تحولت بعض البرلمانات إلى واجهة للممارسة الديمقراطية دون التمكن من جني ثمارها الطيبة.
إن تمثيلية الشعب وممارسته الحكم عن طريق الاقتراع، وحقه الأسمى في اختيار حاكميه، كل ذلك يجب أن يكون مدخلاً من أجل بلوغ التقدم المنشود، لا الاستمرار في التخبط وسط التخلف.. إذا كان الشعب يمارس حقه الدستوري في اختيار ممثليه، وفي محاسبتهم بصفة مستمرة ودورية، فإن هؤلاء الممثلين لن يتعايشوا مع مسؤولين عاجزين عن تحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنموي.

إن الديمقراطية وسيلة لا غاية، وجوهرها جلب السعادة للناس، والارتقاء بواقعهم المعيشي اليومي، من أجل الرفاهية والحرية والازدهار، أما إذا كانت بهرجة فارغة، ومظاهر خادعة، فسرعان ما تتكسر على صخور الواقع المرير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد