أسابيع قليلة تحول بين "باراك أوباما" وبين نهاية ولايته الرئاسية، الرئيس ذو الأصول الأفريقية الذي استبشر بقدومه العرب خيراً، إلا أنهم لم يقتربوا ولو "قنطاراً" من هذا الخير في ولايته، الحائز على جائز نوبل في تحسين العلاقات الدبلوماسية الدولية والتوفيق بين الشعوب، يودع منصبه بعد أن أفنى الشعوب العربية عن بكرة أبيها، وألحق بالشرق الأوسط ويلات لم يعرفها من قبل حتى عرفه.
"أوباما" الذي دخل البيت الأبيض "قطاف ورد شمام زهور" كما يقول المثل الشعبي، وخرج منه "ممثل فيديوهات ساخرة" على مواقع التواصل الاجتماعي، نسي أن يأخذ صورة للشرق الأوسط المنكوب والمتداعية أركانه جراء سياسته "المتهورة" وغير المتزنة كتذكار له، باعتباره الراعي الرسمي لـ "الخريف العربي" الذي بدأ بتغيير وانتهى بتدمير، والداعم الأول لـ "المنظمات الإرهابية" التي تحولت في عهده الميمون من تنظيمات منبوذة إلى دويلات لها جيش وميزانية تصل إلى بليوني دولار كحد أدنى.
أوباما الذي يلملم أوراق رئاسته ويستعد لترك البيت الأبيض بعد بضعة أشهر من الآن، لن ينساه العرب، ليس لأنه "ذهب وترك وراءه ذكراً طيباً" أبداً، بل لأنه جلب للشرق الأوسط خيبات وحروباً أهلية لا يمكن حصرها، فالفلسطينيون لن ينسوا ذكره "العكر" ولا وعوده البراقة لهم، بإقامة دولتين ديموقراطيتين متعايشتين بسلام واستقرار على أرض فلسطين! في حين فشلت حكومته فشلاً ذريعاً في إقناع الإسرائيليين باستكمال المفاوضات مع الجانب الفلسطيني أو الالتزام بها، والفشل في وقف الزحف الاستيطاني.
سوريا "رواندا أوباما" التي توسم شعبها الخير بوعود أوباما، وتعهده لهم بدعم المقاومة والوقوف إلى جانب الشعب وتخليصه من محنته، في الوقت الذي تجاوز فيه النظام حدود "الخط الأحمر" في سوريا على حد تعبير الإدارة الأمركية، وما هي سوى أربع وعشرين ساعة فقط، حتى تنصل أوباما من كافة وعوده، وبدلاً من الوقوف إلى جانب المقاومة ودعمها، تركها للقوى الإقليمية والدولية يسومونهم سوء العذاب، بعد أن سلم كامل الملف السوري طواعية إلى روسيا "خصم أميركا اللدود"، وانسحب من الساحة السورية انسحاباً خجولاً ومخزياً.
تركيا الحليف "المدلل" بعد إسرائيل في المنطقة، تترك الولايات المتحدة وتتجه نحو روسيا بخطوة "المئة ميل" سعياً للتوافق، بعد تآمر الإدارة الأمريكية عليها وعجزها عن احتوائها والحفاظ عليها، حتى منطقة الخليج العربي التي طالما حظيت باهتمام ورعاية الإدارة الأمريكية في السابق، عانت في عهد أوباما من سياسة "الإهمال" تارة، وسياسة "الاستفزاز" تارة أخرى، والسبب هو تراجع الحاجة الأمريكية للنفط الخليجي، بعد الاكتشافات النفطية الجديدة في ولاية تكساس، وهذا إن دل على شيء، فيدل على سوء سياسة واضمحلال في الرؤيا من قبل أمريكا، إذ إن الخليج لم يكن يوما آبار نفط فقط، بل هو أكثر من هذا بكثير.
أما بقية الدول العربية، فقد حظيت هي الأخرى بنصيب كبير من الفوضى والحروب في عهد "أوباما"، ففي العراق الذي يفترض أن يكون "ولاية أمريكية" خالصة بعد سقوطه، تحول الى "محمية إيرانية" دون تدخل يذكر، وفي تونس ظهرت الإدارة الأمريكية بصورة مرتبكة إلى حد كبير، وسوء سياسة وتسرع في مصر، وتجاهل واضح لليمن والاكتفاء بتوجيه بضعة ضربات "درونز" من وقت إلى آخر، واتباع "سياسة المقلوب" في ليبيا وتركها تحت سيطرة الميليشيات بلا خطة موجهة ولا منظمة لإدارة الأمور فيها.
معظم المدافعين عن سوء سياسة " أوباما" في الشرق الأوسط، يحملون الكونغرس ذا الأكثرية الجمهورية، مسؤولية عرقلة قرارات الرئيس الديموقراطي، لكن الحقيقة بأن هذه الذريعة إن كانت تحمل شيئاً من الصحة بالنسبة لبعض المشاريع الأميركية الداخلية مثل مشروع الرعاية الصحية "أوباما كير"، إلا أنها لا تحمل كثيراً من الصحة بالنسبة لسياسة أوباما الخارجية، إذ لا يوجد مبرر مقنع لتراجع الأخير عن تهديده العلني بمعاقبة النظام السوري بعد التيقن من استخدامه للسلاح الكيماوي ضد المعارضة، وقد كان باستطاعته استخدام حقه الدستوري باتخاذ قرار رئاسي بتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا ضد النظام لمدة تسعين يوماً قبل العودة لمجلس الشيوخ.
ولذا تعتبر سياسة "أوباما" الشرق أوسطية ظاهرة محيرة يصعب تفسيرها تفسيراً منطقياً، فهي إما أن تكون "سياسة ضعيفة" أو "سياسة غبية"، والدليل القاطع هو التراجع الأميركي الملفت والملحوظ في منطقة الشرق الأوسط، والتقدم الروسي الكاسح في المنطقة، والذي لم يكن ليتم لولا الوجود الفعلي لأحد السياستين السابقتين، وهذا ما ذكرته تحديداً مجلة "Politico" التي استنكرت الهيمنة الروسية على منطقة الشرق الأوسط برغم تفوق الوجود العسكري الأميركي فيها بعشرات المرات! وأسهب المحلل السياسي للمجلة "دينيس روس" قائلا: "إن عدد العسكريين الأمريكيين في المنطقة يفوق عدد الروس بكثير، فللولايات الأمريكية 35 ألف جندي ومئات الطائرات، بينما لروسيا 2000 جندي و 50 طائرة حربية فقط".
أوباما الذي يسعى جاهداً الى شغل وقته الرئاسي المتبقي، بأعمال صممت خصيصاً للحفاظ على بقايا صورته كرئيس، كإلقاء الخطابات الجوفاء، وحضور الاجتماعات، والتواجد في المؤتمرات، تهرباً من اتخاذ أي قرار سياسي يعلم مسبقاً بأنه سيقابل بالرفض من قبل الكونغرس الأمريكي، لم يكتف بإرباك واشنطن بسوء إدارته طوال مدة رئاسته، حتى قرر إيجاد مشكلة جديدة لها في أواخر أيامه، وهو التأسيس لتحالف غامض مع الميليشيات الكردية في كل من العراق وسوريا، فبرغم المكاسب العسكرية الإيجابية التي أثمر عنها هذا التحالف على صعيد محاربة "داعش" في الآونة الأخيرة، ورغم إمكانية إدراج هذا التحالف تحت مصلحة مرشحة الحزب "هيلاري كلينتون" ضد المرشح الجمهوري دونالد ترامب المتشدد، إلا أن مخاطر مردوده السياسية ستكون وخيمة جداً على الولايات المتحدة بعد جلائه بوضوح.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.