لم يأتِ على العراقيين حينٌ من الدهر حتى يسلط الله عليهم حاكماً مستبداً يجيد تضخيم الأخطار أو يتفنن في اختلاقها هذا من جهة، ويتقن السيطرة عليهم بشعاراتٍ وطنيةٍ أو دينيةٍ من جهة أخرى.
ولهذا تجد أن تاريخ العراق يشهد أن لا أحد من هؤلاء الحكام المستبدين أوصلوا العراقيين لنهايات سعيدة، ولا أحد من هؤلاء الحكام الظالمين قد دام عمرانه أو بنيانه.
إن المتتبع لأحوال الشعوب التي مرّت بصراعاتٍ وحروبٍ فيما بينها، سيكتشف أن هناك حرصاً مبالغاً في مراجعة أخطاء الماضي ومصارحتهم بالحقيقة، حقيقة مشاركتهم بالظلم، بنبش ذاكرة الظلم الجمعي.
لكن هذا لم يحصل عند العراقيين الذين أدمنوا عدم المواجهة مع الماضي، وتفننوا في تضييع الوقت، وراهنوا على بناء مستقبلهم على باطل ماضيهم، ماضيهم الذي يقودهم ألى باطل أوسع وأقذر وأضل سبيلاً.
ولذلك لا غرابة في فشل مشاريع معالجة الشرخ المجتمعي في العراق أو استمرار نزف جراح الماضي؛ لأن أغلب محاولات المصالحة الوطنية عبر تاريخ العراق الماضي والمعاصر هي في الغالب عبارة عن هدنة فاشلة.
يجري الآن رسم مخطط إعادة المالكي للمشهد، يجري رسم هذا المخطط بأكثر من صيغة وبأكثر من اتجاه، عودة نوري المالكي للسلطة لا تعني للعراقيين إلا شيئاً واحدا هو تعزيز فرص تشتيت جهود حكومة حيدر العبادي الخجولة في مشروع المصالحة الوطنية المشتتة أصلاً.
مخطط عودة المالكي الذي بات الحديث عنه من الماضي، لا يخيف الأطراف السنية وحسب، بل وحتى الأطراف الشيعية، التيار الصدري والمجلس الأعلى وحتى المرجعية الشيعية في النجف؛ لأن هؤلاء الأضداد جميعهم سيجدون أنفسهم فعلاً خارج إطار لعبة موازين القوى بكل بساطة.
وعليه فإن الأطراف الشيعية سيحسبون خطواتهم ألف مرة قبل الإقدام على أي خطوة تدعم عودة المالكي للمشهد السياسي؛ لذلك فلا داعي بتذكيرهم مجدداً بأنهم هم المستهدفون بالأساس، بعدما تم سحق الأطراف السنية، التي تعيش اليوم على هامش هذه العملية السياسية البائسة.
ببساطة شديدة، ومن الآخر، الأطراف الشيعية مصيبتهم مع المالكي أكبر من مصيبة الأطراف السنية معه، ولولا غباء تلك الأطراف السنية، لكان الشيعة أول مَن تصدى للمالكي قبل غيرهم.
والدليل أنه مثلما كشفت الأيام أن مصيبة السنة مع داعش أكبر من مصيبة غيرهم معها، كذلك الشيعة، ستثبت لهم الأيام أن مصيبتهم مع الميليشيات التي أسسها المالكي أكبر من مصيبة غيرهم معها.
ولهذا فبعض الأطراف الشيعية مبتلاة بتلك الميليشيات، لكنها صامتة، هذه الأطراف تسعى اليوم لترسيم أو لشرعنة وجود هذه الميليشيات عبر إقرار قانون الحشد الشعبي، بعدما تأكد لها أنها لا تستطيع أن تتخلص منهم لكثرتهم، ولا تستطيع أن تصلحهم لعدم وجود نهج إصلاحي لهم.
المالكي اليوم يعود ليمارس هوايته المفضلة في سياسة الملفات المخزونة، فتسريب وثيقة مشروع الحشد الشعبي، التي كان من المقرر لها أن تطرح قبل أربعة أشهر، تحفظت ميليشيات المالكي على طرحها لا لشيء، إلا من أجل كسب مزيد من الوقت لتحسين شروط فرض رؤيتها في هذا المشروع.
المالكي يستغل اليوم غطاء مرجعية النجف المرتبكة في حساباتها، والتي باتت تخشى هي الأخرى على نفوذها من المالكي، في معركة لعبة الموازين هذه.
ولا اعتراض بالتأكيد من إيران على مخطط عودة المالكي، عبر بوابة الحشد الشعبي، فهو الحليف القديم الجديد، فإيران المستفيد الأكبر من عودة صعود نجم المالكي، كحليف بديل عن بشار الأسد في حال سقوطه.
لكن المالكي قد يعود للسلطة بشكلٍ أو بآخر؛ لأنه كان وما زال يحلم أن يكون ديكتاتوراً، لكنه لن يكون ديكتاتوراً؛ لأنه ببساطة لا يصلح، فتكوينه النفسي وقدراته العقلية لا تؤهله؛ لذلك سيظل كما هو مندوباً للولي الفقيه في العراق لا أكثر ولا أقل، سيظل هكذا إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.