على عكس ما هو مظنون، فالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في نطاقنا العربي والإفريقي ليست صعبة إلى هذا الحد الذي يتم تصويره، لكنها في الحقيقة سهلة لدرجة الصعوبة التي يمكن أن تتخيلها بها، ولك أن تفهم هذه السهولة عن طريق النظرية التي تفيد بأن الأوضاع الصعبة تنتج عن قرارات وإجراءات سهلة، بعكس الأوضاع السهلة التي تنتج بالضرورة عن القرارات والإجراءات الصعبة.
ماذا نعني بالقرارات والإجراءات السهلة التي طالما كانت تجرجر كثيراً من بلداننا العربية والإفريقية في وحل الصعب الممتنع؟!
هي القرارات والإجراءات التي تلمع فجأة في أذهان المسؤولين وصناع القرار دون القدرة على مواصلة اللمعان طويلاً في تجاويف الدماغ، هي شمعة في ظلام لا تصمد لثوانٍ أمام أول نسمة تجود بها رياح عاقلة من أي مكان آخر؛ لأنها قرارات لم تمكث طويلاً على طاولات التفكير، أو مكثت طويلاً في رأس مسؤول واحد لا يأتيه باطل التفكير من بين يدي عقله ولا من خلفه، فلا تستحق مشاركة من عقول أخرى.
هي قرارات سهلة؛ لأنها تُقدَّم للجمهور برائحتها النيّئة، ولهذا فهي متعجلة دائماً لتلحق بركب الصعوبات التي يجب أن يواجهها المواطن المسكين بكل صعوبة أنتجتها سهولتهم الرائجة.
لا يصعب إيجاد مثال لهذه الأوضاع الصعبة التي صنعها أناس متساهلون، والأمثلة في هذا الخصوص كثيرة للحد الذي تتسبب فيه بإفساد الفكرة، لكن لا ضير لو نظرت حولك في كثير من المؤسسات الرسمية؛ لأنك ستجد ما لن تبحث عنه، ستجد أوضاعاً صعبة للغاية تسببت فيها أفكار سهلة للغاية.
خذ مثالاً لذلك بـ"الأوضاع الرملية" التي ينزلق تحتها السودان منذ تصدعه لبلدين: السودان، وجنوب السودان.
انظر لكمية القرارات الاقتصادية التي صدرت منذ انفصال جنوب السودان حتى الآن، تأمل في سهولتها وفي صعوبة الأوضاع التي صنعتها.
لا تنظر للقرارات السياسية التي صدرت في نفس هذه الحقبة حتى الآن؛ لأنه ربما انهالت جبال السهولة على رأسك الصامد الذي تعوّد على استقبال السهل من القرارات والصعب من النتائج.
لا مشكلة مطلقاً في العقل السوداني، الإفريقي أو العربي، هو ذاته مثل العقل الأوروبي والأميركي، خلقه الله بذات الذكاء والإمكانات التي تؤهله للخلافة في الأرض وتعميرها، لكنه تعوّد على التفكير الساهل السريع الذي لا يكلف وقتاً ولا جهداً ولا مالاً..
المشكلة في القرارات السهلة أنها صنعت بيئة ملائمة لعدم التفكير في هشاشتها وخطورتها، وأسهمت هذه البيئة في المساعدة على نمو الكثير من القرارات السهلة، وأصبح النمط المشتهِر والمُشتَهى هو أن يفكر الناس بطريقة سهلة وسريعة؛ لأن هذا هو النموذج المطلوب، وهكذا أصبح صناع الأوضاع الصعبة هم القادة والسادة والقدوة، وبذلك نفذوا بجلدهم من المساءلة والمحاسبة على الأوضاع المزرية التي أسهموا في توطينها.
قلب الطاولة يجب أن يبدأ بقلب المعادلة، ما نعيشه اليوم من أزمات شملت كثيراً من حيواتنا، يحتاج لقرارات صعبة حتى ينعم المواطنون بإجراءات سهلة، وعليه يجب أن نعلي من شأن التفكير المتأني وغير السهل أو المتساهل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.