الآن في هذه اللحظة من يوم 2 سبتمبر/أيلول 2016 تنتظر الباصات الخضر على مشارف المعضمية، جارة داريا، تنتظر كي تكون واسطة النقل لاقتلاع أهالي المعضمية إلى جهة أخرى، الباصات الخضر رمز للأمم المتحدة برعاية أميركية، الباص الأخضر يعني اقتلاع أبارتيدي، يذكرك باقتلاع الهنود الحمر من أرضهم، كما يذكرك باقتلاع السود من أرضهم في جنوب إفريقيا، لكن على الأقل هؤلاء بنوا حضارة!! في أميركا وجنوب إفريقيا تصالحوا بناء على حضارتهما وأسباب أخرى، لكن المقتلع هنا همجي غازٍ لا يمت للحضارة بصلة، ولا تنفع معه السياسة، أية سياسة على الإطلاق.
ملامح الاقتلاع بدأت منذ أن بدأ النظام بقصف المدن الثائرة، منتصف عام 2011 وما بعده، منذ ذلك التاريخ والأسدية مارست هذه السياسة الأبارتيدية العلنية، كان قد صرح لي مصدر خاص بأنه أثناء زيارة وفد من اليمين الأوروبي، عام 2012، لدمشق وقابل الأسد، بأنهم فتحوا معه موضوع الهجرة، الذي بدأ يقلقهم، لماذا يقوم الأسد بتهجير المدنيين من مدنهم وقراهم؟ كان جوابه: أنه سيجعل مشكلة السوريين الذين هجرهم ممن انتفضوا عليه من أجل حريتهم وكرامتهم، مشكلة الدول التي تستقبلهم، وليست مشكلة سورية. نحن نتحدث عن نصف سكان سوريا تقريباً أكثر من 13 مليون سوري.
الباص الأخضر كان بالنسبة لسكان حمص وداريا والآن المعضمية، يقتلعهم من أرضهم وأرض أجدادهم، فهم مقتلعون من حياتهم هنا على هذه الأرض وفي هذه المدن والقرى، مَن اقتلعهم ويقتلعهم محتل أبارتيدي، كانوا قبل فترة يعتبرونه هو ومَن يواليه من أهل بلدهم، كل مرة تثبت الأسدية أنها ليست أكثر من احتلال خارجي أبارتيدي طائفي، أفرغ سوريا من نصف سكانها خلال أربع سنوات ونيف، لا يزال الاقتلاع مفتوحاً على مدى ما يجده من غطاء دولي سافل، تتوج أخيراً بأن جزءاً من هذا الاقتلاع يتم بإشراف الأمم المتحدة وبغطاء أميركي.
من جهة أخرى هذه الأمم المتحدة، التي كشفت صحيفة الغارديان مدى تورطها في دعم نظام الأسد، قدمت تقريراً مفصلاً بالأرقام والمعطيات، لدرجة فاجأت الأمم المتحدة، التي كان ردها باهتاً على هذا التقرير الموثق، كأنها تريد القول: نحن كأمم متحدة نقوم برشوة النظام؛ كي يسمح لنا بإدخال الطعام والأدوية لأطفال سوريا، في المناطق التي يحاصرها جيشه والميليشيات الإيرانية والعراقية وحزب الله، علماً أن أميركا من أكبر المساهمين في الأمم المتحدة، ومصروفات الأمم المتحدة لا تتم إلا بناء على رضا أميركي.
لنفرض جدلاً أنها تمت بغير معرفة أوباما وإدارته، عندها أميركا لن تسكت، لكن إدارة أوباما التزمت الصمت المتواطئ. نعود إلى استمرار حالة الاقتلاع للسوري من أرضه، تخرج علينا أصوات تحمل المعارضة والشعب السوري مسؤولية ذلك. الطرفة السوداء بالموضوع أن من هذه الأصوات من يريد كتابة دستور جديد لسوريا!! من هذه الأصوات من يعيش في أوروبا ويذهب لدمشق ويعود بصفته معارضاً للأسد!! لكن لا تجد كلمة واحدة منهم عن الأسد.
هل تدان المعارضة لاحقاً والشعب السوري إذا اقتلع هؤلاء من أرضه؟ هل شاهدتم نظاماً سياسياً بالعالم يطرد سكاناً بالملايين من دولته، مهما كان نوع الصراع السياسي في الدولة؟ لو لم يتعامل آل الأسد مع الدولة بوصفها مزرعتهم الخاصة، لما قاموا بهذه الجريمة المطلقة بكل الأعراف الدينية والدنيوية. كان الأجدى بهؤلاء المعارضين أن يصمتوا خيراً من أن يطمسوا الجريمة، بتحميل أي طرف آخر المسؤولية، يعتقد هؤلاء كلما انتصر الأسد في معركة، أنه انتصار نهائي فيطلون برؤوسهم المدججة بالحقد على شعبهم لأسباب متعددة، منها طائفي ومنها مصلحي، ومنها بدعم غير مباشر من مجالسهم الدينية الطائفية!! وهم لولا الثورة ودماء شعبنا لما سمع بهم أحد.
سياسة اقتلاع المدنيين لا يتحملها سوى الأسد، ومَن معه، وأصحاب الكلمة الذين يعملون من أجل طمس الجريمة أو توزيع المسؤوليات بطريقة خسيسة.. فالشعب لن ينسى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.