ملخص بحث حول داعش وبعض الحركات القتالية الأخرى

تمخض من الساحة السورية صراعاً فكرياً كبيراً بين مختلف المدارس الإسلامية الفكرية. لا سيما في موضوع خلافي بين "محلية الصراع" و"عولمة الجهاد". وهنا لا بد من استحضار ما قاله قيادي في أحرار الشام أبو يزن الشامي: "كنت سلفياً جهادياً، واليوم أستغفر الله وأتوب إليه، وأعتذر لشعبنا أننا أدخلناكم في معارك دونكيشوتية كنتم في غنى عنها، أعتذر أننا تمايزنا عنكم يوماً".

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/04 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/04 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش

قراءة في بحث يصل عدد صفحاته إلى 1000 قام بإعداده مجموعة من الباحثين العرب والغربيين، سأقوم بتلخيص وجيز جداً لما استلخصتُه عن الجماعات الإسلامية المقاتلة، مع تعليق إضافي مني.

1- المرجعية الفكرية للجماعات مستمدة من ثلاثة عناصر:

التراث الفقهي التقليدي، ومن نماذجه كلام ناصر الفهد في كتابه "التبيان في كفر من أعان الأمريكان"، نقل فيه جملة من مواقف المذاهب (الحنفية والمالكية والشافعية) في تكفير من استعان بالكفار لقتال المسلمين والحكم عليهم بالرِدّة.
تراث شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
الأدبيات الوهابية، والأخذ من تراث الإمام محمد بن عبد الوهاب خلال مسيرته.

التعليق: استنتجت أن الفرق بين مدرسة "السلفية الجهادية" ومدرسة "السلفية التقليدية" هو فهم النصوص، لأن المصدر واحد؛ ولهذا يصل إلى مرتبة الخِلاف العقائدي الفقهي، وترتب على ذلك الاتهام بالردّة من جانب وصفة "الخوارج" من جانب آخر.

2- الخِلاف بين نهج تنظيم "الدولة الإسلامية" ونهج "القاعدة" هو خلاف استراتيجي اجتهادي.

أ- استراتيجي منذ بدء الخلاف بين الزرقاوي -مؤسس داعش- بمسميات أخرى قبل إعلان "الخلافة" وبن لادن -زعيم تنظيم القاعدة- في ملفات التعاطي مع الشيعة وإيران: هل هي معجلة أم مؤجلة؟

تعليق: القاعدة بعد عزل إيران عن التسويات التي أبرمت بعد حرب الخليج الثانية، وجدت نفسها في خندق واحد مع إيران؛ ففتحت الأخيرة أراضيها لقادة القاعدة لشن هجمات على مصالح الولايات المتحدة، وكان أبرزها هجمات سبتمبر 2001. هذا ما يفسر ما صدر عن القضاء الأميركي، وخطاب الظواهري عام 2006 أثناء الحرب الإسرائيلية على "حزب الله" واقتراحه تأسيس جبهة المستضعفين ضد الاستكبار العالمي، وخطاب حسن نصر الله عام 2015 بمعاتبة القاعدة في حربهم في سوريا. التناغم بين القاعدة وإيران انتهى مع بدء الثورة السورية والخلاف الإستراتيجي بينهما.

ب- اجتهادي في موضوع سفك الدماء والغلو في التكفير وملف البيعات بين أمراء التنظيمين والصراع بين القادة وهذا ما يفسر مبايعة بن لادن لـ الملا عمر بيعة عامة، رغم أنه ليس قرشياً كما يجب أن يكون الخليفة حسب النص النبوي.

3- الرسائل المتبادلة بين قادة تنظيم "الدولة الإسلامية" والقاعدة (كشف الأميركان عنها مؤخراً)، وخطابات الظواهري، تُظهر أن البغدادي الأول (أول زعيم لـ"الدولة الإسلامية في العراق") بايع بن لادن؛ وأن الخلاف عَظُم بسبب صعوبة الاتصال بين القيادتين.

الظواهري يؤكد أن موافقته على إعلان قيام "الدولة الإسلامية" في العراق فقط أتت باعتبارها مصدر وحدة بين المسلمين، وعدم موافقته على إعلانها في العراق وسوريا باعتبارها مصدر تفرقة وفتنة بين المسلمين.

لا بد من الإشارة هنا أن بن لادن اعترف أنه لم يُستشر ولم يُخطَر قبيل إعلان قيام "الدولة"، ولكنه اعترف بها.

4- إعلان جبهة النصرة ولاءها لـ"القاعدة" أتى لضرورة، على عكس ما كان يتمنى الظواهري، للتهرب من مبايعة البغدادي الثاني بعد إعلان الخلافة.

5- بعض الباحثين اتفقوا أن ابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط تسبب ولو جزئياً في بزوغ داعش، ومن ثم هي مضطرة الآن للعودة بطريقة أو بأخرى إليه.

6- كيف يفكر النظام الإيراني اتجاه داعش؟
كانت إيران حريصة على وجود تنظيم القاعدة في العراق لسببين: الأول لتهييج العصبيات المذهبية وخلق عدو لـ"الشيعة" يكون مصدر وحدة لهم. والثاني لاستنزاف القوات الأميركية بعد إكمال مهمتها بالإطاحة بنظام صدام حسين، وإنهاك الدولة العراقية وطلب العون دائماً من النظام الملالي.

أما بعد إعلان داعش دولتهم وبسط سيطرتهم على مساحات واسعة من العراق، أصبح الإستنزاف يطال النظام الملالي والنظام العراقي المدعوم إيرانياً بعد انسحاب القوات الأميركية. وهذا ما يفسر نشر جريدة "وول ستريت" لرسالة سياسية من أوباما للمرشد الأعلى الخامنئي تتحدث عن تنسيق إيراني-أميركي لمحاربة داعش.

تعليق: سياسات واشنطن منذ غزوها العراق تساهم في خدمة مصالح طهران بطريقة مفارقة، بالرغم من حرصها الدؤوب على فعل العكس.

7- كيف يفكر النظام السوري تجاه داعش؟
منذ بدء الثورة السورية، كان النظام السوري حريصاً على بث القلق لدى هذه الدول، من أن البديل الوحيد لنظامه حال سقوطه سيكون تنظيم القاعدة. لهذا السبب أفرج النظام عن مئات الجهاديين في سجن صيدنايا، أصبح بعضهم قادة في جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام. كان الهدف شبه المعلن ألا يبقى في سوريا سوى نظام الأسد وتنظيم داعش، وعلى العالم أن يختار بينهما.

8- كيف تفكر داعش؟
براغماتياً خالصاً، ويتلخص تفكيرها الاستراتيجي باتجاهين:
أ- الحصول على مزيد من الجغرافيا: السيطرة على المناطق الخاضعة لفصائل ثورية محدودة التسليح أسهل بكثير من السيطرة على مناطق خاضعة لنظام يمتلك السلاح الجوي.

ب- الحصول على "التمويل والسلاح"، وهذا ما يُفسر تركيز داعش بمعاركها ضد النظام السوري على السعي للسيطرة على مواقع القواعد والمطارات العسكرية التي تحتوي كميات كبيرة من السلاح.

9- مستقبل داعش
اتفق الكثير من الباحثين أن عُمْرَ داعش في سوريا أطول من عمرها في العراق. في الساحة العراقية ثمة حل بإعطاء السنة حقهم في التمثيل الصحيح في السلطة شرط مساعدة القوات الحكومية العراقية بطرد قوات داعش من الدول الرئيسية. أما في الساحة السورية، فالأمور معقدة أكثر، لتضارب المصالح بين الدول الداعمة لمختلف الفصائل الثورية السورية التي بإمكانها محاربة داعش.

أما مقارنة مع عمر القاعدة، فالأخيرة تعتمد على فِكرة وخطاب يؤسسان لمرحلة الخلافة فيما بعد، فيصعب قهرها؛ أما داعش فهي تروج نفسها أنها "دولة"، فبخسارتها للأرض تكون قد خسرت معنى الدولة الحقيقي.

10- تمخض من الساحة السورية صراعاً فكرياً كبيراً بين مختلف المدارس الإسلامية الفكرية. لا سيما في موضوع خلافي بين "محلية الصراع" و"عولمة الجهاد". وهنا لا بد من استحضار ما قاله قيادي في أحرار الشام أبو يزن الشامي: "كنت سلفياً جهادياً، واليوم أستغفر الله وأتوب إليه، وأعتذر لشعبنا أننا أدخلناكم في معارك دونكيشوتية كنتم في غنى عنها، أعتذر أننا تمايزنا عنكم يوماً".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد