العشائر العراقية وأهميتها في المجتمع العراقي

ساهمت عشائر عراقية في عمليات المقاومة العسكرية للاحتلال الأميركي، وفي المقابل، أيضاً، شارك بعضها الآخر إلى جانب الأميركيين في عمليات طرد القاعدة وتحجيم دور فصائل المقاومة المختلفة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/01 الساعة 08:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/01 الساعة 08:31 بتوقيت غرينتش

لعبت العشائر، بوصفها من أهم المؤسسات الاجتماعية التقليدية، دوراً بارزاً في الحياة السياسية العراقية، منذ تأسيس دولته إلى يومنا هذا. وتراوح دورها بين الظهور والغياب، بحسب طبيعة الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، والتي كانت أكثريتها علمانية من حيث الشكل، حتى عام 2003.

فالسلطة السياسية وضعت في اعتبارها عناصر القوة التي تتمتع بها مؤسسة القبيلة والعشيرة في المجتمع العراقي، لاسيما السلطة الأبوية التي يمارسها زعيم القبيلة وشيخ العشيرة على أتباعهما.

والعشائر في العراق تسلح أفرادها بأسلحة خفيفة ومتوسطة، باعتبارها أهم مظاهر القوة، ولا يمكن أن تستغني عن أسلحتها. غير أن العشيرة، وعلى طوال تاريخ العراق المعاصر منذ عام 1921، لم توجه أسلحتها إلى الدولة، أو تنازع سلطتها سلطة الدولة، إلا في حالة تكاد تكون قليلة جِداً، لا مجال لذكرها الآن. فسلطة القبيلة والعشيرة كانت متماهية، إلى حد كبير، مع مختلف السلطات في هذه الحقب المتعددة والمختلفة.

ولم تغب العشيرة عن دورها المؤثر، إلا في حقبة السبعينيات، عندما حثَّ العراق، كدولة، خطاه باتجاه استكمال مستلزمات التحول إلى المدنية والعصرنة، بالاعتماد على المنظومة العلمانية، لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي لم يفسح المجال لأي سلطة أخرى في منافسته، أو الاقتراب من خطوط نفوذه.

ولكن الأمر تغير نوعاً ما بدخول العراق إلى حرب طاحنة مع إيران، فوظفت السلطة السياسية القبيلة والعشيرة في رص الصفوف الداخلية، والإسهام بالجهد العسكري، مستدعية عناصر الذاكرة التاريخية العربية في مواجهة المد الخارجي.

وازدادت هذه الأهمية بدخول العراق إلى الكويت، وخسارة العراق الحرب مع قوات التحالف، الأمر الذي دفع نظام الرئيس العراقي، صدام حسين، إلى تعزيز سلطة القبيلة والعشيرة، بجعلهما سلطة رديفة للسلطة السياسية التي بدأت تدب فيها عوامل الضعف، بفعل العمليات العسكرية، وتدمير البنى التحتية التي تعرض لها العراق.

مع وجود حقائق تشير إلى اشتراك بعض العشائر في انتفاضة الجنوب ضد نظام صدام حسين، في عام 1991، ما دق ناقوس الخطر، وأعاد للعشيرة دورها البارز في الحياة السياسية، ليس في صنع القرار المباشر، ولكن، في مدى قربها من السلطة السياسية، وزج أبنائها في المنظومة الأمنية في مختلف تشكيلاتها التي دعمت النظام في هذه المرحلة.

أعاد صدام حسين اعتماده على العشائر، من أجل فرض السيطرة على الوضع، فشكل مجلساً للعشائر، يتم فيه تسجيل شيوخ القبائل والعشائر والأفخاذ في كل محافظة، وكانت تترتب لهم لقاءات دورية به، وتصرف لهم كفاءات دورية في مناسبات عدة في السنة.

وكان لهذه العودة للعشائر تأثير سيئ على بنية العشيرة نفسها، إذ أصبح لكل عشيرة عدة شيوخ، كما أدى إلى انقسامات عدة في العشائر، فكل مجموعة حاولت أن تنفصل، وتشكل عشيرة صغيرة، من أجل أن يكون لها شيخ وتمتع بالامتيازات التي يغدقها النظام على الشيوخ.

استمر هذا الوضع بعد الاحتلال، إذ زادت الانقسامات بين العشائر وحاول المحتل الاستفادة من ذلك إلى أقصى درجة من أجل شرعنة وجوده، وإنجاح مشروعه في العراق. وفي الوقت نفسه، تسبب الوجود الأميركي بانقسام حاد في المجتمع العراقي، وانقسمت العشائر حسب موقفها الرافض، أو المؤيد، للوجود الأميركي.

وكاد هذا الأمر أن يتسبب في تمزيق النسيج العشائري العراقي، ولاسيما أن هذا الانقسام تعزز بانقسام طائفي شديد، فأكثرية العشائر السنية اعتبرت الوجود الأميركي احتلالاً، وأكثرية العشائر الشيعية عدته تحريراً، على الرغم من أن عشائر الجنوب الشيعية والسنية قاومت الاحتلال عند دخوله بقوة، وقدمت تضحيات جساماً.

الحرية السياسية التي أتاحها النظام السياسي الجديد في العراق قدمت للعشائر العراقية فرصة تاريخية في المشاركة السياسية، بشكل مباشر، فزجت هذه العشائر بأبنائها وشخصياتها في أحزاب سياسية كثيرة، فتمكنت، وللمرة الأولى، أن تصل إلى مصدر القرار، كوزراء ووكلاء وبرلمانيات وموظفين رفيعي المستوى. وأصبحت العشيرة تلعب دوراً أساسياً في العملية السياسية، بحيث لم يعد بإمكان غالبية المرشحين أن يفكروا بالوصول إلى السلطة، من دون الحصول على دعم مباشر من عشائرهم. صارت العشيرة والمال أهم عنصرين في معادلة السلطة في العراق الجديد.

ويرى خبراء أن النظام السياسي في العراق الجديد سيبقى مهدداً وضعيفاً، طالما بقيت الأحزاب السياسية تعتمد على طوائفها، وفي داخل طوائفها، تعتمد على عشائرها، ومن هنا، لا يمكن الحديث عن تعددية سياسية حقيقية، ما لم يتعدل هذه المسار، وتضبط التعددية الحزبية بقانون للأحزاب، يحرم قيامها على أسس عشائرية أو طائفية.

"تبقى العشيرة تلعب أدواراً جوهرية، سلبية أو إيجابية، ويبدو أن هناك حراكاً إيجابيّاً في إعادة قراءة الواقع العراقي الراهن".

أسهمت ظاهرة انتشار الأحزاب السياسية في عراق ما بعد 2004 في إيجاد بيئة تنافسية حادة بين العشائر، زادت من حدة انقسامها وتشظيها، ما أدام اللااستقرار السياسي في العراق. وكذلك ترتب على توسع مشاركة العشائر في الحياة السياسية تهميش دور القوى المدنية التي فشلت، في غالب الأحيان، في إيصال مرشحيها. فغالبية سكان المدن هم، في الأساس، امتداد لعشائر تعيش على أطرافها، وبالتالي، ستكون مشاركتهم في الانتخابات وغيرها لصالح مرشحي عشائرهم.

وفي جانب آخر، ساهمت عشائر عراقية في عمليات المقاومة العسكرية للاحتلال الأميركي، وفي المقابل، أيضاً، شارك بعضها الآخر إلى جانب الأميركيين في عمليات طرد القاعدة وتحجيم دور فصائل المقاومة المختلفة.

وعلى الرغم من هذا المشهد المتعدد الجوانب، تبقى العشيرة تلعب أدواراً جوهرية، سلبية أو إيجابية، ويبدو أن هناك حراكاً إيجابيّاً في إعادة قراءة الواقع العراقي الراهن، والسعي في سبيل مواجهة التحديات الأمنية الخطيرة التي تشهدها البلاد، في السنتين الأخيرتين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد