لا شك أن معظم الدول المصدرة للنفط تمر بمنعرج اقتصادي حرج، نتيجة الانخفاض الحاد لأسعار النفط العالمية منذ عام 2012 حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، مما أدى إلى تباطؤ نمو الناتج بين الأسواق الصاعدة والاقتصاديات النامية المصدرة للنفط.
ويعتبر هذا العامل أحد أهم العوامل التي تهدد اقتصاد الدولة الليبية؛ حيث يعتمد دخل الحكومة على نسبة 97% على إيرادات النفط لتمويل الخزينة العامة، خصوصاً بعد الصعوبات التي تشهدها الدولة نتيجة إغلاق العديد من الحقول النفطية التي أدت إلى تدني مستوى الإنتاج من 1.6 مليون برميل يومياً إلى ما دون 350 ألف برميل يومياً، مكلفاً الدولة الليبية خسائر بلغت 70 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل 98 مليار دينار ليبي على مدار 3 سنوات، وذلك في الفترة ما بين أغسطس/آب 2013 حتى نهاية عام 2015، مما أدى إلى نقص العملة الأجنبية الذي كان سبباً في انحدار خطير في احتياطات مصرف ليبيا المركزي بنسبة 53% بنهاية العام الماضي، وارتفاع نسبة التضخم وخفض الإنفاق على السلع والخدمات المستوردة وعدم القدرة على تنفيذ أي إصلاحات في السياسات العامة للدولة.
وتحتاج ليبيا إلى سعر يفوق 100 دولار أميركي للبرميل لتغطية العجز في الإنفاق الحكومي والإعلان عن تدابير جديدة على مستوى السياسات المالية العامة لدولة، بحسب ما أشارت إليه العديد من تقارير صندوق النقد الدولي.
وكل هذه المؤشرات والدلائل التي تعصف بليبيا الغنية بالموارد الطبيعية تُعجل بضرورة اتخاذ تدابير لازمة من أجل خلق تنوع اقتصادي وتنمية اقتصادية على نطاق واسع، وذلك لتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.
وهذا الأمر يرجع إلى سببين رئيسيين هما:
إن ارتفاع مستوى تركيز الصادرات "أي الاعتماد على مورد محدد للتصدير"، يجعل الاقتصاد الليبي عرضة لتقلبات أسعار النفط، مما يؤدي إلى انكماش في الموارد العامة وخلق تأثير سلبي على باقي الاقتصاديات، أما السبب الآخر فهو أن قطاع الصناعات الاستخراجية يتطلب رؤوس أموال كبيرة، بالإضافة إلى أن لها صلات ضعيفة مع باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، وكقاعدة عامة فإنها لا تولد الكثير من فرص العمل التي بدورها لا تساعد بتقلص نسبة البطالة. فالاستثمار والتوسع في قطاع النفط لديهما تأثير منخفض على النمو وإنتاجية الصناعات الأخرى، مما يؤدي إلى حدوث تركيز عالٍ لهذه الصناعة من إجمالي الناتج المحلي وتأثير منخفض على خلق فرص العمل.
ومن أجل تحقيق التنوع الاقتصادي لا بد من الاستثمار في البنية التحتية كتحسين شبكة الطرق السيئة، التي تعتبر أهم القيود على النمو في ليبيا، الدولة النامية، حيث إن هذه الاستثمارات مهمة لتقليل تكلفة ممارسة الأعمال التجارية وتحسين القدرة التنافسية، أيضاً دعم الزراعة فعلى الرغم من تزايد الاعتماد على ريع الموارد في ليبيا فإن قطاع الزراعة يعمل فيه الجزء الأكبر من القوى العاملة على مستوى العالم، ومثال على ذلك دول بوليفيا، ومنغوليا، وكازاخستان حيث يبلغ عدد العاملين في القطاع الزراعي ما نسبته بين 32% و40% بينما تصل إلى 72% في دولة زامبيا، وحتى مع تزايد الضغوط خصوصاً مع ارتفاع أسعار الأجور والماكينات المستخدمة في الزراعة، فإنها عامل مهم في تحسين إنتاجية الزراعة والتسويق التجاري وربط المنتجين إلى الأسواق.
أيضاً تفعيل القطاع السياحي لما تمتلكه ليبيا من عوامل نجاح في هذا المجال مع إدراك الصعوبات والتحديات الأمنية، كما أن لليبيا الفرصة أيضاً في مجال الطاقة لما تملكه من موقع استراتيجي ومناخ ممتاز؛ حيث أشارت إحدى الدراسات للاتحاد الأوروبي التي أجريت على دول شمال إفريقيا إلى أن دولة ليبيا تعتبر أفضل الدول لإنتاج الطاقة الشمسية وتصديرها لقارة أوروبا عن طريق استغلال مساحات تصل إلى 4،000 كلم مربع في الجنوب الليبي، أيضاً تشجيع الاستثمار الخاص في القطاعات غير الاستخراجية، وذلك عن طريق تحسين بيئة الأعمال وتنظيمها وتوفير فرص الحصول على التمويل ودعم ريادة الأعمال، بالإضافة إلى تنمية المهارات.
التحديات والمعوقات جمة، ولكن ليبيا قادرة على تحقيق التنوع الاقتصادي والاستدامة على المدى الطويل، ما دام أن هناك كل تلك العوامل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.