لم تكن حادثة اختطاف ونفي إبراهيم برو، سكرتير حزب يكيتي الكُردي، ورئيس المجلس الوطني الكُردي في سوريا، هي الوحيدة التي تمارسها سلطة الأمر الواقع في كُردستان سوريا. فقد سبق "برو" في الخطف والنفي إلى إقليم كُردستان العراق السياسي الكُردي بشار أمين بذات الطريقة، وكذلك الصحفي في قناة رووداو الكُردية بيشوا بهلوي، وزميله الإعلامي رودي إبراهيم، أسلوب عصاباتي تقوم بها مؤسسة تسمى "آسايش" تدعي أنها تنظم وتحمي الأمن الأهلي، داخل مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD).
اعتقال المواطنين إضافة إلى قيادات سياسية كُردية وخطفها، وتعذيبها ونفيها، تقوم بها مؤسسات حزب PYD باسم الديمقراطية، وتحت شعار "دماء الشهداء"؛ حيث يقوم الحزب بتجييش رفاقه ومنتسبيه بتحريض عدد كبير من الأهالي، وخاصة "عوائل الشهداء"، ضد الأحزاب الكردية المعارضة لسلطة الأمر الواقع التي فرضها PYD منذ ثلاثة أعوام على كُردستان سوريا.
حرق مكاتب حزبية والتعدي عليها، وعلى الرموز الحزبية، والقومية الكُردية "العلم الكردستاني" وكتابة شعارات تحريضية ضد هذه الأحزاب وأعضائها، كلها تتم وفق ديمقراطية PYD بغطاء شرعي قامت بتشريعه عبر السماح لمؤسسة عوائل الشهداء بالانتقام والتعدي على الآخرين، بحجة أنهم دفعوا دماءً، وعلى الجميع أن ينصاعوا مكرهين صاغرين لتلك الدماء.
استغلال حزب الاتحاد الديمقراطي لقداسة الشهداء، وتحريض عوائلهم على الأحزاب الكُردية الأخرى، والمتاجرة بتلك الدماء يفرض واقعاً فاشياً تمارسه مؤسسات ولواحق PYD بحق المعارضين لسياسة الأمر الواقع، ما ينذر بتحول المناطق الكُردية إلى منطقة حكم، وسلطة أشبه بكوريا الشمالية مصغرة؛ حيث لا زعيم إلا أوجلان، ولا علم إلا علم "غانا" المفروض على الجميع، ولا حزب إلا PYD، ومن يخرج خارج هذه السياقات فهو لا يستحق العيش في كنف "ديمقراطية PYD" فعليه مغادرة "روجأفا" أو يتم خطفه ونفيه بوساطة جهاز شرطة PYD المسمى "آسايش"؛ حيث سبق أن صرح جوان إبراهيم، رئيس هذا الجهاز، بأن من لا تعجبه المعيشة والحياة في "روجأفا" فليغادرها إلى "دوميز"، أكبر المخيمات في إقليم كُردستان العراق.
إن سياسة PYD في المناطق الكُردية لا تختلف أبداً عن سياسة حزب البعث من حيث الطغيان الحزبي، والفاشية السلطوية التي يمارسها الحزب على خصومه، فالكل خونة بنظرهم ما عداهم، والكل عملاء الدول الإقليمية، وأي مخالف أو معارض لهم فهو يهين "دماء الشهداء" فيجب عقابه، وهذا ما يحصل حقاً؛ حيث يعاقب الحزب عبر مؤسساته المختلفة خصومه، بالاعتقال والتعذيب والخطف والنفي، ويبدو أن النفي بات وسيلة الحزب الأكثر سهولة، خطف المعتقل "القيادي والسياسي خاصة" وتسليمه إلى سلطات إقليم كُردستان العراق عبر الحدود.
إن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وعبر لواحقه يمهد إلى قيام منطقة خالية من أي شخص معارض لسياساتهم، مستغلاً ومتاجراً بدماء الشهداء، ومحولاً مؤسسة من المفترض أن ترعى شؤون أسر وعوائل أولئك الشهداء إلى فرع مخابرات جديد، سيدفع بالأهالي إلى احتقار اسم "الشهيد"؛ لأن هذا الحزب يدنس دماءه الطاهرة بأفعال لا تليق بهذه التضحيات. فكما كره الكثير من السوريين اسم فلسطين؛ لأنه ارتبط بفرع المخابرات العسكرية "فرع فلسطين" فالكُرد في روجأفا أمام الكره ذاته، ولكن لاسم "عوائل الشهداء"، تلك التجارة الخاسرة التي يقوم بها PYD للانتقام من خصومه عبر دماء الشهداء.
على حزب الاتحاد الديمقراطي PYD مراجعة سياساته الفاشية تجاه الأحزاب الكُردية الأخرى، وتجاه الديمقراطية المرتبطة باسم الحزب، وباسم إدارته الذاتية، وأن يكف الحزب وأنصاره عن التغني بهذه الديمقراطية في مناطق حكمهم، فلا يليق بالديمقراطية كل تلك الممارسات التي يقوم بها PYD، ولا يليق بتضحيات الشهداء الذين رووا بدمائهم الطاهرة ثرى كردستان أن يتم استغلال آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم ليحقق PYD فوزاً فاشياً على خصومه الذين لا يزالون يريدون العمل، والنشاط السياسي في مناطقهم بشكل سلمي دون أي مواجهة مسلحة، تلك التي يخشى أن تكون الخطوة القادمة في حال استمر هذا الحزب بنهجه الفاشي على خطى حزب البعث الأسدي، حينها قد يفضي الأمر إلى ما لا تحمد عقباه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.