قد أسمعت مَن كان حياً يا “عمران”

لن تزيد صورة الطفل ذي الخمس سنوات، الراكن في ذهوله من هول ما جرى له إلا ألماً جديداً في صميم الإنسانية سيزول بوقت قريب، ويتحول مشهده إلى كلمات رثاء لن تغني ضعفه من قوة، ولن تعيد لروعته الثبات.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/21 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/21 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش

هل شاهدت صورة الطفل السوري "عُمران" وهو دامي الوجه، غائب الحضور، أشعث الشعر، مذهولاً من الموقف؟ هل توقفت عند صورة الخبر المتناقل على شاشات التلفزة العالمية وأنت تتنقل بين المحطات المختلفة لتصاب بالحزن لدقائق ثم تغير إلى قناة أخرى؟ هل وضعت "لايك" أو دمعةً أو وجهاً غاضباً على صورة الصبي في الفيسبوك، وأنت تستعرض شريط الأحداث اليومي؟.

إذا حدث معك شيءٌ مما سبق فأنت واحدٌ من الملايين حول العالم الجالسين على مقاعد المشاهدة الصامتة دون ردة فعلٍ تُذكر، وإذا لم يحدث أي مما أسلفت، فأنت حتماً تعيش على كوكبٍ آخر، أو لم تسمع بكارثة شعبٍ عربي في القرن الحادي والعشرين لبلدٍ يُدعى "سوريا".

"عمران" الذي شغل الإعلام العالمي، وأبكى عيون الكثيرين حول المعمورة، وجعل محطات عالمية كبرى مثل CNN وBBC وITV تتناقل الحدث في بداية نشراتها الرئيسية، لن يكون إلا كمن سبقه من ضحايا الحرب في سوريا، الذين باتوا أرقاماً تتجاوز الست خانات، حتى أصبح الواحد منهم فقيد نفسه فحسب، ولا يكترث لموته إنسانٌ ولا تتحرك لشناعة مقتله مُقلة.

لن تزيد صورة الطفل ذي الخمس سنوات، الراكن في ذهوله من هول ما جرى له إلا ألماً جديداً في صميم الإنسانية سيزول بوقت قريب، ويتحول مشهده إلى كلمات رثاء لن تغني ضعفه من قوة، ولن تعيد لروعته الثبات.

حاله كحال الطفل "إيلان" الذي وُجد مرمياً على ذيل شاطئ تركي، بعدما أخفقت محاولة عائلته الفرار إلى أوروبا، فكان الموت غرقاً قدرهم الأخير، وبنطاله الأزرق وقميصه الأحمر آخر ما ترك للحياة من ذكرى، وشاهداً على قذارة العالم وتخاذله عندما يعلم أن بلداً في الشرق الأوسط يشتعل غلياناً من الحرب، ويأبى من بيده إيقاف المراجل أن يتدخل.

لم يعد من اللائق أن نرثي الشهداء والقتلى في سوريا، خاصة أن الواقع يزداد سوءاً، وأعداد ضحايا الحرية يتفاقم في كل دقيقة، ناهيك عن تحول البلاد إلى مأدبة لأطماع الكثيرين، وعاث على التهامها أيادٍ داخلية وخارجية متعددة، زادت الحرب بلة، وجعلت من الفوضى والخراب سمتها الأبرز، فمَن سيقتنع "عمران" أن بيته هُدم فوق رأسه الصغير؛ لأنه -على حد زعمهم- مقر للإرهابيين المختبئين بين ألعابه وطفولته، فتم قصفه وانتهاك حُرمته لتخليص البشرية من شرهم، بل كيف سيستوعب أن حلمه ومستقبله هدد مضاجع الطغاة، فأمطروا مدينته بالنيران والحمم وجلسوا يزورون الحقائق، ويتباكون على ضحايا الحرب التي كانوا مؤسسيها وفتيلها الأول؟!

طالما أن صُناع القرار العالمي وأولياء سياسات السلم والحرب لا يزالون في سكرتهم يعمهون ويشربون دماء السوريين بخفة وروية، لن يكون بيد الشعوب والأفراد إلا البكاء والنحيب الأبكم على ما يورده الإعلام من فظائع ومآسٍ توقظ الإنسانية أوقاتٍ معدودة؛ لتعود بعدها إلى متابعة المشهد بحسرة وعجز، والسير قدماً في الحياة؛ لأن ردود فعل الشعوب العربية مشلولة، وأصواتنا مقتولة، وأفواهنا مكمومة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد