كنت طفلاً في أفظع المجازر.. “مجزرة تل الزعتر”

وكلما دخلت محراب تل الزعتر، تكاد تخلع نعليك خوفاً من أن تدوس تراباً رواه دم مقاوم، أو قبراً مجهولاً لشهيد عزيز عليك لا تعرف أين ينام في موته الأخير.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/20 الساعة 07:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/20 الساعة 07:00 بتوقيت غرينتش

تعرض الشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية ولجوئه الطويل إلى أكثر من مائة مجزرة، وثَّقها الشهود العيان للتاريخ.

وتتميز كل مجزرة عن غيرها ببعض العناصر التي تجعلها مأساوية بامتياز.. ومن هذه العناصر/الفواجع، على سبيل السرد لا الحصر:
1- الحصار، وهو ما تعرض له عدد من المخيمات مثل مخيم جنين أثناء انتفاضة الأقصى عام 2002، ومخيمات لبنان في عدة حصارات نفذتها حركة أمل بين عامَي (1985-1987)، ومخيم تل الزعتر (1976) في حصارين، دام آخرهما 52 يوماً.

2- الإبادة والتدمير: وهو ما تعرّض له مخيم النبطية في جنوب لبنان عام 1974 حيث أبادته الطائرات الإسرائيلية، ومخيم نهر البارد عام 2007 بعد تهجير أهله منه والحرب بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام، ومخيم تل الزعتر، الذي هدمت بيوته وتمّ جرفها وبناء أبنية سكنية مكانها.

3- التجويع: كما حدث في حرب المخيمات في لبنان، وخصوصاً في حصار الستة أشهر، وحدث في مخيم تل الزعتر.

4- موكب الأسرى: كما حدث في مجزرة دير ياسين، وفي مجزرة تل الزعتر.
5- القتل بالسلاح الأبيض: كما حدث في مجزرة دير ياسين عام 1948، وفي مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، ومجزرة مخيم تل الزعتر.

6- الخطف وبيع الأطفال: لم تحدث إلا في مجزرة تل الزعتر.
7- ذبح الناس بعد إعطائهم الأمان، وفق اتفاق بين القوى المتناحرة، فقط في مجزرة تل الزعتر.

8- الانتقام والقتل الفردي: كما حدث في مجزرة الطنطورة، حيث كان ينتقم أفراد العصابات الصهيونية، فكان كل من له قريب مقتول في المعركة، يختار عدداً من المواطنين ليقتلهم. وكذلك في مجزرة تل الزعتر، وقصة المجرمة ماغي مشهورة، حيث كانت تختار ضحاياها كأنها في مسلخ، وترسلهم مع أقاربها لقتلهم.

9- ضياع القبور، وضياع توثيق أصحابها، كما حدث في المقبرة الجماعية في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، ومجزرة تل الزعتر، حيث ما زال الشهداء تحت الأنقاض والحفر التي فتحت على عَجَل.

10- وما لم تذكره روايات المجازر، هو مطاردة الرجال في الجبال والأودية المحيطة بالمخيم، حين خرج المقاتلون بالمئات، وتم اصطياد وقتل نصفهم تقريباً.

تل الزعتر المحفور في ذاكرتي، أنا الطفل الذي كنت في السادسة من عمري، هو كل هذه النقاط العشر المذكورة أعلاه..

فأنا المولود في المخيم الفقير، عشت وشاهدت وعانيتُ الحصارين (1).

رأيت الإبادة والتدمير (2) بـ55 ألف قذيفة دكت المخيم و72 هجوماً عسكرياً.
عرفت التجويع (3) وكان طعامنا الأساسي هو العدس الذي استخرجوه من مخازن تموين على طرف المخيم.
خرجتُ في صباح 12 أغسطس/آب في "موكب الأسرى" (4) ضمن الآلاف الذي خرجوا في ذلك الصباح الملتهب، وأطلقوا فوقنا النار فور رؤيتهم لنا.

تعرض الكثير ممن خرجوا في ذلك اليوم للقتل بالسلاح الأبيض (5)، ومن مشاهد التنكيل التي لا ينساها أهالي المخيم مشهد الرجال الذين كانت تُوثق أرجلهم بسيارات تسير باتجاه معاكس، فيُفسخ الرجل نصفين وتأخذ كل سيارة جزءاً من الضحية وتسحله في الشوارع.

خُطف عدد من الأطفال ممن هم في عمري في هذا الموكب (6)، وجرى بيعهم في لبنان وفرنسا ودول أخرى.

وعند خروجنا، وفق الاتفاق بين الأطراف، نقضوا الاتفاق، جرى ذبح الكثير ممن خرجوا (7)، وكانت الجثث في كل مكان، وبعض الذين وصلوا سالمين فقدوا عقولهم من هول المشهد (يقدر عددهم بـ2200 ضحية).

وكان أول مشهد شاهدته هو (8)، حيث تفرّس بالمنكوبين أحد المجرمين واختار عدداً منهم وأخذهم إلى مكان بعيد، وسمعنا إطلاق النار.

أما (9)، فما زال آلاف الضحايا بلا قبور، وبعضهم معروف المكان، وأحدهم عمي سعيد علي، الذي كلما زرت المخيم أقرأ عند مكان دفنه الفاتحة، من غير أن يدرك المارّون أن تحت هذا التراب جثامين أحباء لنا، لا نستطيع أن نبوح لهم بمكانه.

أما العاشرة، فكانت مأساة عائلتنا بعد شهر من المجزرة، حيث فُقد أخي في تلك الجبال، وسط المطاردات في البراري والوديان، وعاد إلينا بعد اختطاف دام 27 يوماً.

ويسألونك لماذا تعتبر مجزرة تل الزعتر أكبر المجازر؟! وأنت الذي كلما زرت المخيم، انتابتك طقوس يوم الخروج الكبير في 12 أغسطس، فينخفض صوتك تلقائياً، وتشعر بالعطش الشديد، والعرق الشديد، حتى لو كانت زيارتك في الشتاء.

وكلما دخلت محراب تل الزعتر، تكاد تخلع نعليك خوفاً من أن تدوس تراباً رواه دم مقاوم، أو قبراً مجهولاً لشهيد عزيز عليك لا تعرف أين ينام في موته الأخير.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد