دور الإعلام في تحوير الصراعات.. سوريا نموذجاً

على عكس التغطيات الإعلامية التي حظّيت بها ثورات مصر وتونس واليمن، اتّسمت التغطية الإعلامية للثورة السورية في بداياتها بالتّنكر والتعتيم وعدم قدرة الوسائل الإعلامية على نقل ما يحدث داخل سوريا بصورة صحيحة، إلى جانب تضييق السلطات السورية على وسائل الإعلام العربية والغربية العاملة آنذاك داخل سوريا، فبعد مرور أشهر قليلة على الانتفاضة الشعبية، عمدت السلطات الأمنية لإغلاق عدّة مكاتب إعلامية ومصادرة معداتها بحجة الترويج للأكاذيب والتحريض على سفك الدماء وإثارة الفتن.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/17 الساعة 07:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/17 الساعة 07:03 بتوقيت غرينتش

"ثورة، أزمة، حرب أهلية، نزاع مسلح، صراع.. الخ"، مصطلحات كثيرة تم إطلاقها على الأحداث الحالية في سوريا، تختلف المسميات والعناوين، ويبقى الجدل دوماً فيما يمكن إطلاقه عمّا يجري في سوريا على وسائل الإعلام العربية والغربية.

على عكس التغطيات الإعلامية التي حظّيت بها ثورات مصر وتونس واليمن، اتّسمت التغطية الإعلامية للثورة السورية في بداياتها بالتّنكر والتعتيم وعدم قدرة الوسائل الإعلامية على نقل ما يحدث داخل سوريا بصورة صحيحة، إلى جانب تضييق السلطات السورية على وسائل الإعلام العربية والغربية العاملة آنذاك داخل سوريا، فبعد مرور أشهر قليلة على الانتفاضة الشعبية، عمدت السلطات الأمنية لإغلاق عدّة مكاتب إعلامية ومصادرة معداتها بحجة الترويج للأكاذيب والتحريض على سفك الدماء وإثارة الفتن.

دفعت تلك الأسباب الصحفيين السوريين والشباب الثوري لابتكار أدوات جديدة في مواجهة سلطة القمع التي يستخدمها النظام السوري، فظهرت موجة من الإعلام المناوئ للسلطة للمرة الأولى منذ أكثر من أربعين عاماً، فتم افتتاح الكثير من القنوات التلفزيونية المعارضة وإصدار عشرات الصحف والمجلات، ما أدى لإفراز إعلام مستحدث بمفهوم ثوري جديد قادر على نقل جزء ولو بسيط من الصورة الحقيقية والآنية لما يحدث، وعبر أشخاص كانوا على تماس مباشر بالحدث.

تعاطي الإعلام الحكومي السوري مع الأحداث:

منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات السورية في منتصف شهر مارس/آذار 2011 في كل من دمشق ودرعا، عمِد النظام السوري إلى كمّ الأفواه واعتقال العشرات من الإعلاميين الشباب وتعذيبهم حتى الموت وابتكار روايات مغايرة لما يحدث فكان التلفزيون الرسمي السوري يطلق على المتظاهرين مصطلحات عدة كـ"المندسين، والمخربين، وعملاء من الخارج، ومسلحين، ومتمردين وغيره", وظلت الرواية الرسمية تتبنى هذه المصطلحات مع حظر كامل لدخول وسائل الإعلام الدولية لتغطية ما يجري.

خسِر الإعلام الرسمي السوري الثقة بين صفوف الشعب السوري، سواء كانوا موالين للنظام أو معارضين له، ومن كل المشاهدين، وخصوصاً أثناء التغطية الإخبارية للاحتجاجات الأولى، فالإخبارية السورية التي كانت تقوم ببثها التجريبي من أجل الاستعداد لبث طبيعي فقدت مصداقيتها ومهنتيها ورسبت في امتحان الثقة.

تعاطي الإعلام العربي مع الأحداث:

لم تُغفل الحكومات العربية دور وأهمية الإعلام الجديد في تحديث وتشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية وغيرها، فقد أثبتت التجارب أن دور الإعلام تجاوز وظيفته النمطية في نقل الأحداث والتأثير فيها، ولم يعد محصوراً في تضليل الناس والتبعية للأنظمة السياسية وحسب، بل أصبح بفضل ثورات التكنولوجيا الإعلامية مشاركاً رئيسياً وصانعاً للأحداث السياسية وبات يمارس دوره المؤثر كسلطة رابعة.

فيما اختلفت طرق تناول الإعلام العربي بما يجري في سوريا وأساليب التغطية الإعلامية، في حين كانت التغطيات بالمجمل يغلب عليها الطابع التجاري الاستهلاكي والحكومي المسيّس، فيما اتخذت بعض المحطات العربية دور المتفرج مما يحصل، فغابت إخبار الأحداث الدموية اليومية على الساحة السورية عن نشرات أخبارها بشكل كامل، أما بعض الوسائل العربية الأخرى فكان لها دور كبير في ترويج الأكاذيب وتأليف الروايات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استطاعت إحدى القنوات الإعلامية من الترويج لما يسمى بجهاد النكاح ولصقه بالتنظيمات الإسلامية التي تقاتل في سوريا، فيما اتخذت القنوات أخرى من مأساة اللاجئين السوريين في دول الجوار مادة كوميدية وساخرة لمعظم برامجها بأسلوب مبتذل، كما اتخذت القنوات عربية أخرى من الإعلام الرسمي السوري مصدراً لأخبارها متجاهلة ما يحدث من قتل وتدمير من قِبل قوات النظام السوري.

تعاطي الإعلام الغربي مع الأحداث:

عمّدت السلطات السورية منذ بداية الاحتجاجات السلمية عام 2011 إلى حظر الإعلام الغربي من التغطية داخل الأراضي السورية، وعدم التصريح لمراسلي هذه القنوات بتغطية ما يجري، كما قامت باعتقال عدد من الصحفيين العاملين لصالح المحطات الغربية، ما أسهم في غياب التغطية الحقيقية للمتابع الغربي حول ما يحدث من احتجاجات شعبية واقتصار هذه الوسائل في تبني الحياد المفرط فيما يحدث بوصفه حرباً أهلية أو نزاعاً مسلحاً، كما تفعل كل من وكالتي "Reuters" و"AFB".

بعد عدة تفجيرات إرهابية وسط الدول الأوروبية وإصدارات مختلفة لتنظيم الدولة، متقنة بطريقة احترافية ومترجمة لعدة لغات أجنبية، استطاع التنظيم خطف الاهتمام الغربي حكومات وشعوباً، فأفرزت الكثير من الوسائل الاجتماعية برامج وتقارير خاصة وأوراق بحث عن التنظيم وعن خطره الذي بات يهدد العمق الأوروبي، أدت هذه التغطية لتحوير أنظار المتابع الغربي عن الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها الشعب السوري والمجازر المرتكبة بحقه.

فيما أسهمت قضايا أخرى كقضية اللاجئين التي استحوذت على مساحة كبيرة في الإعلام الغربي على اعتبارها أكبر أزمة لاجئين تمر بها القارة العجوز منذ الحرب العالمية الثانية.

فيما قالت صحيفة ديلي ميل البريطانية حينها: عند الاستماع لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" يأتيك إحساس وكأن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين يحتشدون على الحدود الأوروبية.

في النهاية، فإن أكبر التحديات التي تواجه الإعلام العربي والثوري المعارض بشكل خاص، هو مدى قدرة هذه الوسائل على تحقيق آثار ملموسة في انتشار وإرساء مفاهيم عميقة كانت مغيّبة لسنوات طويلة كحرية التعبير، والعيش المشترك، والديمقراطية، والمحاسبة، والمواطنة والعدالة الاجتماعية، وهو ما يمكن استبعاده في المدى المنظور على الأقل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد