دعوني أوضح أولاً أني لم أكن من أشد المعجبين بالرئيس المصري محمد مرسي، وكنت أفضل أن لا تتسلم جماعة الإخوان المسلمين مقاليد الحكم في أعقاب الثورة مباشرة.
منذ الإعلان عن الانتخابات الرئاسية، والحشد لها، وانحسار المنافسة أخيراً بين مرشح الفلول أحمد شفيق، والإخوان المسلمين محمد مرسي، أقولها صراحة: فضّلت شفيق، حتى إنني ولأول مرة في حياتي نلت إنذاراً في عملي؛ إذ قيل لي في المحطة التلفزيونية التي أعمل بها، إن نفس التقرير الذي أعددته ليس متوازناً.
حتماً لم أفضل شفيق؛ لأنني مؤيدة للنظام السابق، كنت أقولها يومياً: مرسي لن يحكم أكثر من عام، وهكذا كان.
بنظري كانت الجماعة كفصيل سياسي غير قادرة على البقاء، إذ إنها ستكون بمحيط معادٍ، ببساطة لأن الإدارات والمؤسسات لم تطهّر من سموم النظام السابق، وتحديداً الماكينات الإعلامية المعروفة بـ"المطبّلين"، كان لا بد من مرحلة انتقالية تتطهر فيها المؤسسات من رجس الماضي، وليترشح بعدها من يريد.
غطيت عاماً كاملاً من الشؤون المصرية، ونعم لم يعجبني الحال، كان مرسي يفتقر بنظري لخضرمة رئيس دولة كمصر، كنت أراه "طيباً زيادة عن اللزوم"، ومع ذلك الرجل منتخب ديمقراطياً، وللصناديق احترامها.
"تمرد" ومسرحية الثلاثين من يونيو/حزيران لم تثِر إعجابي أيضاً، فمرسي منتخب ديمقراطياً، وبغض النظر عن نظرتي الشخصية، كان الأجدى أن يحاسب في الدورة الانتخابية المقبلة، وإن لم يكن مرشحاً بشخصه، فليقل المواطنون كلمتهم للفصيل الذي مثله، غير أن ذلك ما حدث.
أعلن السيسي الانقلاب في الثالث من يوليو/تموز عام 2013، وتسلم عدلي منصور الحكم، ومنذ تلك اللحظة، بدأتُ رحلة البحث المستمر عن تلمس أعذار للمنقلبين، لكني لم أجد.. نعم إنه انقلاب عسكري أيضاً، واقع كمتخصصة في العلوم السياسية لم أستطع نكرانه، ومع ذلك لم يتغير رأيي كثيراً بمرسي، حتى كان الرابع عشر من أغسطس/آب.
كنت أرى الحديث عن فض الاعتصامات المؤيدة للشرعية بالقوة ضرباً من الخيال، فكيف لشباب أعاد العسكر إلى ثكناته أن يسمح بذلك.. راهنت على وعي شبابي كان مغيباً، فبنظري مهما بلغت الخصومة لن يسمح الشباب بإسالة دماء رفقاء ثورة يناير/كانون الثاني المجيدة.
بدأت الحشود العسكرية تتوالى إلى ميدان رابعة العدوية، وبدأت الوكالات تنقل الصور مباشرة، وفي غرفة الأخبار حيث كان ذهول تام إلى أن دخل أحد الزملاء وسأل: ما هذا؟ هل هي؟! كيف؟! فوقفت وجاوبت: "لا يا عزيزي هي أم الدنيا".. سيفضون الاعتصام؟ سألني.. وبكل سذاجة جاوبت: "لا أعتقد قد يكون نوعاً من أنواع الترهيب علّ الموجودين يفضونه طوعياً".
لي زميل مؤيد لمرسي دخل على خط الحديث، وقال لي وأذكر تلك النظرة: سيحرقونهم أحياء إنهم عسكر وجيوشنا عربية مؤدلجة على ذلك.. ودخلنا بشريعة ماذا سيحصل.
العيون شاخصة إلى الشاشات، ودقائق الترقب تحولت ساعات، أسأل نفسي: ماذا سيحصل؟ وأجاوبها بصمت، لن يفعلوها، ثم أتظاهر بعدم الاكتراث، وأقول في سري: أنا في النهاية لبنانية لا ناقة لي ولا جمل، لِمَ أهتم!.. ثم بدأ الفض، وساد الصمت، وانتهى دوام العمل، وهرعنا إلى منازلنا، وتناقلنا المحطات.. لا يزال الصوت الناشز في أذني: إن عملية الفض تتم بأمر من النائب العام.. وبعدها تحول المكان إلى ميدان حرب.
فظاعة المشهد والدماء التي أُريقت بغير حق، أصوات الأطفال والنساء الثكلى طاردتني، حتى دموعي التي انهمرت لهول ما رأت سألتني: أما زلت لبنانية لا ناقة لك ولا جمل؟!
لم أنم يومها كأي متابع، وراجعت حسابات دفتري، لم تعد قضية رئيسي واختلاف في الرأي ولا حتى انقلاب.. إنها قضية حق إنساني، إنها جريمة كاملة المعالم والوصف، هي إبادة جماعية، فكيف لي ولأي عاقل في الدنيا أن لا يميل ميلها؟! كيف يستطيع أي إنسان أن لا يناصر قضاياها وأن لا يطالب بحق شهدائها وجرحاها؟ نعم كان مرسي رئيساً إنساناً أكثر مما يجب، مسالماً ونظيف الكف، ولذلك رُحّل قسراً.
في الخامس عشر من أغسطس اعتذرت للرئيس الشرعي علناً في غرفة الأخبار كما على صفحاتي المتواضعة على مواقع التواصل الاجتماعي.. أما لأم الدنيا المغتصبة فقلت: لي فيكِ كل ناقة وكل جمل إلى أن تستعيدي عفتك المنتهكة بسلاح العسكر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.