رغم مرور ثلاث سنوات على ذكرى فض اعتصام رابعة، فإنها المرة الأولى للكتابة عن تلك الذكرى المربكة بالنسبة لي، ليس تهرباً بقدر عدم امتلاك القدرة الكافية للإجابة عن التساؤلات الكثيرة المتعلقة بتلك القضية، وربما كان أشلي بريليانت دقيقاً في وصف عملية اكتشاف الحقيقة عندما قال: "أكبر عقبة أمام اكتشاف الحقيقة أن تكون مقتنعاً بأنك تعلمها بالفعل".
قبل الفض فشلت جماعة الإخوان ومؤيدوها وحلفاؤها في فهم واستيعاب الحراك الجماهيري الضخم الرافض لاستمرارية حكم محمد مرسي والمناهض لجماعة الإخوان، وتعاملوا معه بمنتهى الاستخفاف، رافضين تقديم أي تنازل، وغير مدركين أن إمكانية استمرار اعتصامهم أمر مستحيل، متحدثين أنهم يمتلكون الشرعية وفي هذه النقطة كانوا غير واقعيين بالمرة، واستمرار الشرعية مرتبط بعوامل متعددة ومتشابكة، منها تقبل وتبني القطاعات الشعبية المختلفة الأداء السياسي والاقتصادي، وشرعية الانتخاب يجب إكمالها بمرحلة شرعية الإنجاز.
ورغم تورط الكثيرين بمن فيهم الإخوان في تأزيم المشهد، لكن "مضادات الثورة" كانت تعمل بشكل أقوى وأسرع عبر توظيف إعلاميين وسياسيين لخدمة مشاريعها الهادفة إلى الاستفادة من التحرك الجماهيري الضخم الذي انطلق في 30 يونيو/حزيران، وتستطيع في النهاية الانقضاض على مكتسبات هذا التحرك، ومع تراكم الاستقطابات داخل المجتمع، إلا أن جميع أطرافها كانوا يحاولون اصطناع صورة تظهرهم في غاية الكمال، فمعسكر الإخوان واعتصام "رابعة" يصبح أكبر معسكر إيماني تربوي، على حد وصف عدد من قيادات الإخوان، والمعسكر الآخر يتشدق بكل العبارات الثورية ويحمل صكوك الوطنية.
في يوم فض "رابعة" ولعدم وجودي بالقاهرة في ذلك الوقت كنت أتابع ما يحدث عبر وسائل الإعلام المختلفة (الداعمة للإخوان والمناهضة لهم، إلى جانب المنابر الإعلامية/ الصحفية العالمية)، القنوات الداعمة لـ30 يونيو/حزيران كانت تركز على تصوير قوات الأمن في البداية وما يتم بثه عبر مكبرات الصوت التابعة لهم بأن الاعتصام يتم فضه بأذن من النيابة العامة، مع إعلان الداخلية في ذلك الوقت أنها أبلغت عدداً من المراكز الحقوقية لحضور الفض لتوثيق ما يحدث!.
وكانت قناة "الجزيرة مباشر مصر" تعرض مشاهد للمصابين والقتلى، وكان يوم فض اعتصام "رابعة" يذكرني بما حدث في بانكوك بتايلاند فحكومة أبهيسيت فيجاجيفا كانت تصف بشكل متواصل الاعتصامات الاحتجاجية التي عرفت باسم القمصان الحمر بأنهم إرهابيون ويحضرون لتمرد مسلح ضد الدولة لإعطاء غطاء للجيش والقوات الأمنية للتدخل وفض الاعتصامات، وهذا كان نفس لغة خطاب حكومة حازم الببلاوي.
وأيضاً ما كان يدور في بالي بتلك اللحظة هل إذا كنت بالقرب من موقع الأحداث سأستطيع متابعة/تغطية ما يحدث دون تعرضي لخطر؟!
وبين التحريض والعنف الممنهج كانت كل الأطراف تضبط كادر الكاميرا على ما تريد إظهاره فقط؛ ليكون الاجتزاء سيد الموقف!
وكانت تساورني الشكوك حول حقيقة التحول الديمقراطي في مرحلة ما بعد 30 يونيو، وكان بالنسبة لي عملية فض الاعتصام بطريقة احترافية لا تتسبب في سقوط عدد من الضحايا والاحترام الفعلي للممرات الآمنة، سيترتب على كل ذلك الاتجاه نحو طريق التحول الديمقراطي.
في النهاية بالنسبة لي ستظل ذكرى فض رابعة مربكة بكل معنى الكلمة والكتابة عن تلك الفترة المهمة من التاريخ المصري الحديث لا يمكن حصرها أو اختصارها، بل تحتاج لمزيد من النقاش والتفكير في ما حدث بعيداً عن كل المفاهيم الإقصائية والانتقائية، وأختتم كلامي بالمثل العراقي الذي يقول: "لنعاني ونناضل، ونناضل ونعاني".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.