تشريح الانقلاب بعد ثلاث سنوات على المذبحة

ما نجحت فيه الثورة إذن أنها لا تزال ترفع الراية الرافضة لهذا الانقلاب طيلة ثلاثة أعوام، مانعة الانقلاب العسكري الدموي من التحول إلى انقلاب دستوري، كالذي حدث في البرازيل في صمت، ودفعت ثمن ذلك غالياً، لكن النظام أيضاً بدا أنه يدفع ثمناً لا يقل فداحة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/14 الساعة 05:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/14 الساعة 05:08 بتوقيت غرينتش

كما عمد كثير من المفكرين والسياسيين إلى تشريح الثورات، مثل جوستاف لوبون في "روح الثورات والثورة الفرنسية"، وكرين برينتون في "تشريح الثورة"، فمن الضروري أيضاً تشريح الانقلابات، ليس تشريحاً أفقياً، كما فعل جين شارب في كتاب "ضد الانقلاب" أو "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية"، بل تشريحاً رأسياً، بكشف طبقات هذا الانقلاب وعلاقته بالخارج، وما يطرأ على هذه العلاقة من قوة وفتور.

***

تشريح الانقلاب في مصر مهم إذن؛ لتبيان مدى قدرته على البقاء، ويمكن تقسيم انقلاب السيسي بثقة إلى ثلاث طبقات رأسية:
1 – العقل المدبر: الغرب وإسرائيل.
2 – المنفذ: عملاء لهم على الأرض في الجيش وباقي مؤسسات الدولة.
3 – الراعي الرئيسي: دول الخليج.

فصحيح أن انقلاب 3 يوليو/تموز كان قراراً غربياً إسرائيلياً من الرأس، ونفذه عملاؤهم في الجيش وباقي مؤسسات الدولة على الأرض، إلا أن الحلقة الوسيطة، والممول الرئيسي له، كانت دول الخليج، التي مثلت القلب النابض، والرافعة الاقتصادية للانقلاب.

وطيلة الأعوام السابقة، عندما كان يخير الغرب؛ إما بين السيسي أو عودة الشرعية، كان يختار على الفور السيسي، طالما أنه يحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار في مصر، مدعوماً بالمساعدات الخليجية السخية.

ومع تراجع إيرادات النفط لكثير من دول الخليج، بدأ هذا الدعم في التقلص، ومن المرجح ألا يستمر، مما دق نواقيس خطر في الغرب، ودفعه لاستباق الأحداث قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة. (صرح طارق عامر، رئيس البنك المركزي أخيراً: علينا الاعتماد على أنفسنا ووديعة الإمارات لن تأتي).

وقد سبق أن قلت إن السيسي لا يستطيع الاستمرار ثلاثة أشهر دون دعم الخليج، إلا أن وزير الخارجية التركي صرح منذ يومين بأن مصر قد تنهار خلال أسبوع واحد فقط إذا توقف الدعم الخليجي!

***

ما نجحت فيه الثورة إذن أنها لا تزال ترفع الراية الرافضة لهذا الانقلاب طيلة ثلاثة أعوام، مانعة الانقلاب العسكري الدموي من التحول إلى انقلاب دستوري، كالذي حدث في البرازيل في صمت، ودفعت ثمن ذلك غالياً، لكن النظام أيضاً بدا أنه يدفع ثمناً لا يقل فداحة.

فالمعونات الخليجية التي ظلت تدعم هذا الانقلاب منذ ولادته بدا أنها في طريقها إلى النضوب، ليس كرهاً للسيسي، لكن كنتيجة طبيعية لتراجع إيرادات النفط، مما أخرج إحدى طبقات الانقلاب الثلاث، وأكثرها حيوية في رأيي، (التمويل الخليجي) من المعادلة؛ مما جعل الغرب يعيد التفكير في قدرة العملاء على الاستمرار وحدهم بالشكل الحالي حكم مصر.

لا أبالغ إذا قلت إن كل التقارير الغربية تشير إلى أن استمرار السيسي يعني انهياراً أو انفجاراً، وهو وضع لا يمكن أن يسمح به الغرب، ليس حباً في هذا البلد، ولكن ببساطة لأن أوروبا لا يمكنها أن تحتمل مأساة جديدة للاجئين من مصر، التي يبلغ تعداد سكانها خمس مرات تعداد سوريا، وأكثر من نصفها شباب يريدون الهجرة، حتى دون حرب أهلية!

التقارير الغربية بدأت تشكك في قدرة السيسي على الاستمرار منذ أكثر من عام، لكنها انتقلت إلى العلن مع تقرير الإيكونوميست، الذي نقل إلى صفحات أكثر المجلات رصانة في العالم ما كان يدور سراً في الغرف المغلقة.

ومع تراجع بعض الشخصيات لإعادة إنتاجهم من جديد، ومع علاقاتهم المعروفة بالغرب (عصام حجي)، يكون المشهد أكثر اتساقاً، الغرب يريد حلاً سياسياً في مصر تحت مظلة انقلاب 3 يوليو/تموز، لكن مع عدم وجود السيسي كشخص، وبوجود الإخوان لكن مع عدم التمسك بمرسي.

وحتى يتم حبك هذا السيناريو توقعت أن يعلن عصام حجي استعداده؛ للتعاون مع الإخوان في الانتخابات القادمة، شخصياً توقعت أن أقرأ هذا التصريح خلال عام من الآن، لكنه حدث بعد 24 ساعة فقط، مما يعني أن الغرب ليس لديه وقت، وأن أدرك تماماً أن السيسي بدون دعم دول الخليج التي تعاني من تراجع النفط، لا يمكنه أن يستمر.
***
الخلاصة:

أظهرت التجربة في مصر وتركيا وغيرها من الدول أن الانقلاب لا يردعه إلا دبابة امتلكها أردوغان ولم يمتلكها مرسي، كما أظهرت تجربة مارس/آذار 1954 أن الانسحاب وترك الميدان حتى ولو كان أخف وطأة من حيث القتل والاعتقال، إلا أنه مكّن العسكر من الحكم نصف قرن وأكثر، الثورة اختزلت ستين عاماً من الحكم العسكري في عدة سنوات ودفعت ثمن ذلك!

ونظراً للظروف التي لم تمكن فيها الثورة من صناعة أجهزتها الأمنية الخاصة بها، وهو الشيء الذي كان له أكبر الأثر في إجهاض انقلاب 15 يوليو في تركيا، فإن فرصة الثورة في كسر هذا الانقلاب هي بتمزيع طبقاته الثلاث عن بعضها أكثر وأكثر، وفصل قلب هذا الانقلاب المتمثل في الدعم الخليجي عن أطرافه في مصر.

وحتى لو توجه السيسي بصندوق النقد، فذلك دليل إضافي على نقص المعونات الخليجية، وعلى تعثر السيسي في الديون أكثر وأكثر.

لقد كانت مذبحة رابعة الأكبر في التاريخ الحديث بحق، لكنها أسقطت أصناماً كثيرة كان لا بد من كسرها، وكشفت الكثير من أوراق التوت كان لا بد من كشفها، عن كثير من الشخصيات والمؤسسات داخل هذا البلد وخارجه، التي كان لا بد من فضحها، وعرقلت نمو هذا الانقلاب المولود سفاحاً، حتى انفض الناس عن السيسي ووعوده الزائفة، وأصبح في كل يوم يبشرهم بقرارات أصعب من التي قبلها، فاتضح بعد هذه السنوات من كان على حق، وأنه لا خير في لقمة مغموسة في الدماء!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد