"في الحقيقية فإنني لا أتصور الحياد لصاحب رأي، وإلا كان معني ذلك التوهم بإمكانية الانسلاخ عن الزمان والمكان، وعن التاريخ والحياة، وكله في رأيي من المستحيلات واقعاً وفكراً".
محمد حسنين هيكل
بجيش من الإعلاميين والصحفيين والكتاب والوعاظ وغيرهم.. يتحدث الإعلام دوماً بإيجابية شديدة عن أولئك "الواعين" الذين اختاروا عدم الانتماء لأي فكرة ولم "ينجرُّوا" تحت أي راية! يصورون المواقف والانتماءات كخطيئة ودنس يجب التبرؤ منه فوراً، ويُظهرون ما يُسمى الحياد أو اللاانتماء على أنه طهر وقداسة محمودة.
على مستوى السياسة مثلاً وفي الوقت الذي يروج لفكرة الحياد واللاموقف في بلاد العرب كسلوك (مثالي) للمواطن الصالح، نرى المجتمعات الغربية تخوض بقوة في إدماج الأفراد وخصوصاً الشباب في العمل السياسي بفعالية من خلال تأهليهم سياسياً من خلال المؤسسات والأحزاب ومن ثم إشراكهم في العمل بشكل متدرج.
من وقت لآخر يأتي الحديث عن القطيع ويتم تصوير كل من ينتمي إلى فكره، بأنه قطيع متماثل في التفكير والتصرفات، بينما يُصَوَّر اللامنتمون أنهم أحرار؟ ولو تأملنا جيداً لوجدت القطعان موجودة في كل مكان وزمان حتى أولئك الذين لا ينتمون لأي فكره (نظرياً). إلا يرددون نفس الكلام ونفس الشعارات وغالباً في نفس التوقيت دائماً؟
في إطار الحديث عن الموقف واللاموقف أجد شخصياً أن من أطرف الأشياء المطروحة بشكل عام في هذا الباب هي نموذج المتدين المحايد؟ أليس الدين بحد ذاته موقف وانتماء والحياد في هذه القضية هو اللادين؟ قد تجد إجابات مضحكة جداً في حال ما لو سألت أحدهم لماذا تنتمي لدين ما وأنت تنادي أن يظل المرء بعيداً عن الانتماءات؟ أليس اللانتماء في هذه الحال يقتضي أن تظل في المنتصف وعلى مسافة واحدة من كل الأديان؟
قد يتساءل أحد ما الخطأ في أن يكون الناس بلا مواقف أو بلا أي فكرة أو قضية؟
شخصياً أرى الجواب واضحاً من خلال هذا الكم من الشباب في هذا الجيل. نحن نرى ونشهد بشكل غير مسبوق خروج جيل ضعيف سطحي مهزوز القيم والفكرة لا يستطيع التمييز بين الصح والخطأ، مشوه القناعات، غير قادر على التمييز فيما يحدث حوله. غير قادر على رؤية الاتجاه ولا الوصول إلى قناعة مثلى لأي مشكلة. هذا الجيل الفاقد للثقة في نفسه المضطرب في هويته وداخله لا يمكن أن يكون فاعلاً على مستوى مجتمعه ولا حتى على مستوى نفسه.
اللاموقف هو موقف بحد ذاته
من المفهوم جداً أن يكون الانحياز لفكره أو فعل أو جماعة أو الانحياز ضد أو حتى الانحياز لفكرة ثالثة هو قناعة خاصة. عندما تختار أن لا تنتمي لفكرة أو قضية أو حتى جماعة أو حزب أو أن لا تشارك برأيك في حل مشكلة ما فهذا بحد ذاته موقف. إذا كنت ترى أن كل من ينتمي لفكره هم متشابهون فأنت أيضاً تبدو كذلك أنت وأمثالك من الذين لا يريدون الانتماء لأي فكره أو موقف.
وكما أن من يتبنى موقف ما بشكل معلن وواضح يتحمل عن ذلك مسؤولية أخلاقيه (على الأقل) فإن من يختار عدم الوقوف وراء فكرة أيضاً يتحمل نفس المسؤولية وبنفس الدرجة عن موقفه ذلك. يمكن القول بشكل نظري مجرد أن كلا الأمرين مشروع بالمناسبة، وأن أياً منهما لا يعطي للآخر أي ميزة أو تفضيل، نهائياً. أما بشكل واقعي فإن الوقوف في دائرة اللاموقف أو اللاعمل عندما يتوجب فعل شيء ما قد يكون خطيئة كبرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.