كل يوم في بلدي العراق أرى طيوراً جميلة تصعد إلى السماء، لم أعرف السبب في البداية، لكن حين سألت قيل إن الأطفال الميتين يصبحون فيما بعد طيوراً في الجنة..
ما حصل من حريق في مستشفى اليرموك في بغداد وفقدان وموت الكثير من الأطفال حديثي الولادة، يبين حجم المأساة التي يعيشها الشعب العراقي. تصوروا أن أماً تلد مولدها وتستمع لصراخه وكأنه نشيد الحياة ليخبروها بعد قليل أنه مات حرقاً في صالة الخدج، في تلك المستشفى العريقة في بغداد، بسبب كل هذا الإهمال والفشل الحكومي المتراكم.
تصور أن هناك مستشفى وفيها صالات عمليات وصالات للطوارئ، ويزورها الكثير من المرضى من أهالي بغداد يومياً، لا تحتوي على نظام إنذار الحريق أو نظام محاربة ومعالجة الحرائق "فاير فايتنك"، نعم هذا يحدث هنا في بلدي وفي بغداد العريقة، بغداد الحزينة، بغداد العلم والطب والحضارة ودار السلام، يقتل فيها الناس بدون سبب إما بهجوم إرهابي أو بغدر حاقد أو نتيجة فساد وإهمال القائمين على المؤسسات الحكومية.
لا تستغرب أخي القارئ! إن كل هذا يحدث في العراق. انفجار الكرادة الإرهابي الذي راح ضحيته أكثر من 350 شهيداً في أواخر رمضان الماضي، كان سبب الوفاة لأغلب الشهداء هو الحريق والدخان الذي حدث بعد الانفجار، ولم يكن هناك مخرج للطوارئ ونظام معالجة الحرائق، بالإضافة إلى تأخر فرق الدفاع المدني في الوصول.
والله إن حجم مأساتنا كبير، والفساد في المؤسسات يقتلنا بقدر ما يقتل فينا المجرمون أو أكثر، ولا يوجد شيء غير قابل للسرقة في بلدي إلا أموال المسؤولين. السرَّاق في كل العالم قد يكون لديهم قدر من الاخلاق والمروءة، إلا هنا في العراق فهم يمرحون والشعب يُقتل، يأكلون والشعب جائع، يتفسحون والشعب نازح، الآ تف عليكم من أولكم لآخركم.
حقائب السفر للمسؤولين جاهزة للهروب مع أرصدتهم البنكية الضخمة، ومستعدون لتركنا في أي أزمة حتى حين نعاني من الكهرباء، هم يرجعون إلينا فقط في وقت الحصاد وتوزيع الغنائم بينهم، عوائلهم في الخارج لا يعانون كما نعاني، استثماراتهم بأموالنا أيضاً خارج البلد، حتى في ذلك هم لم يستثمروا هنا في العراق كي يوفروا البعض من فرص العمل لجيش العاطلين من الشباب العراقي والخريجين.
الكرة تعود إلينا نحن كشعب يعاني، يجب أن ننفض عنا ثوب البكاء والتشكي ونغير هذا الواقع المرير والمأساة المستمرة، وإلا لن نكون إلا كالقطيع الذي يحكمه هؤلاء الفاسدون المجرمون، وتتراكم عذاباتنا ونفقد كل يوم من أحبابنا. استمرار هذا الموت والدمار والفساد يعني أن لا نكون هنا في سنين قليلة، هذا وقد فقد الكثير منا الأمل في العيش بسلام وكرامة على أرض هذا البلد فإما هاجر أو هُجر وترك كل شيء خلفه إلى حبه لهذه الأرض.
حادث مستشفى اليرموك هو ليس الأول وهو لا يقل حجماً ومأساة عن أي حادث إرهابي آخر، زي القاتل مختلف، ولكن هدفهم واحد، هذا الاستخفاف بحياة المواطن حتى في المستشفيات ودور الايتام والعجزة، وهذا الإهمال المتعمد أو غير المتعمد لا يجب أن يستمر، ولا يجب أن نكون نحن كالقطيع الذي ينتظر دوره في المذبحة التالية على يدي مجرم أو بسبب إهمال فاسد.
يجب أن نتوحَّد من أجل إنقاذ ما تبقى، ويجب أن يعود الناس أهل الحكمة والخير لأخذ زمام المبادرة. الانسياق وراء الشحن الطائفي والتخندق هو أكبر هدية نقدمها للفاسدين والمجرمين، وتعني استمرارهم وهلاكنا.
واخيراً نقول كما قال الشاعرعن بغداد:
"من ذا أصابكِ يا بغداد بالعين..
ألم تكوني زماناً قرة العين.."
الرحمة إلى شهدائنا، وعزاءنا إلى أهالي الأطفال الشهداء وأهل العراق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.