إلى السيد الأستاذ “بات مان”

إذا تفشى الفساد، وانحدر الذوق العام وانهارت الأخلاق وارتفعت نغمة الشيطنة والتخوين بين الفرقاء وأصبح الاختلاف في الرأي لا يكفيه إفساد الود، بل يصل إلى السجن والقمع والقتل؟!

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/11 الساعة 00:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/11 الساعة 00:13 بتوقيت غرينتش

"بات مان" أو الرجل الوطواط هو شخصية خيالية لأحد كتب القصص المصورة الأميركية، وقد أنتجت عشرات الأعمال الكارتونية والسينمائية منذ أول ظهور لتلك الشخصية في أربعينات القرن الماضي وإلى الآن.

يعد "بات مان" نموذجاً مختلفاً عن كل الأبطال الخارقين، فهو بطل محارب للجريمة والفساد في مدينته الخيالية جوثام، ولكنه لا يمتلك قوة خارقة يسخرها لمحاربة المجرمين، على عكس كل من سبايدر مان (الرجل العنكبوت) أو سوبر مان (الرجل الخارق)، وعلى نقيض قصص سوبر مان وسبايدر مان التي تدور أحداثها في مدينة نيويورك الأميركية، فإن أحداث قصة بات مان تدور في مدينة خيالية، و"بات مان" لا يقاتل أشراراً خارقين، بل يواجه أشراراً لا يتمتعوا بأي قوة خارقة، ولكنهم يمتازون بذكاء وغموض وحبهم للشر.

في تلك المدينة الخيالية جوثام تدور أحداث قصة ذلك الصبي الثري "بروس واين" الذي قُتل والداه أمام عينيه، ولم يستطع أحد العثور على القاتل، وذلك لحجم الفساد والجريمة في المدينة، ذلك الفساد الذي يعجز العقل عن تصوره، وعليه يقرر بروس أن يصبح بطلاً لمدينته، بطلاً يواجه الفساد والجريمة انتقاماً لأبويه.

جوثام تلك المدينة ذات السماء الملبدة بالغيوم، تنتشر بها الأزقة المظلمة القذرة والأبنية القوطية التي تطل على المدينة في عبوس كئيب.

يعد الفساد في تلك المدينة أمراً طبيعياً، ويمتد الفساد لقطاع الشرطة، مما جعل الجرائم المنظمة والعنف الممنهج وجرائم الترويع والقتل وحروب العصابات أمراً لا يخفى على أحد.

كان رد فعل لذلك هو خروج "بات مان"، بالتعاون مع الشرطي جوردن وآخرين همهم الأول هو القضاء على الفساد والمفسدين، ولكنهم يضعون لأنفسهم ميثاقاً أخلاقياً ومبادئ تمنعهم من استخدام أسلوب الأشرار أو اتباع أساليبهم.

ولكن ماذا يحدث إذا أصبحت غوثام مدينة واقعية، وإن اختلفت التسمية؟

إذا تفشى الفساد، وانحدر الذوق العام وانهارت الأخلاق وارتفعت نغمة الشيطنة والتخوين بين الفرقاء وأصبح الاختلاف في الرأي لا يكفيه إفساد الود، بل يصل إلى السجن والقمع والقتل؟!

ماذا يحدث إذا أصبح التعامل مع المجرمين والبلطجية أيسر من التعامل مع الشرطة؟ إذا تحول حماة الوطن إلى التجارة والمقاولات، امتنع رجال القضاء عن نصرة المظلوم وانتصروا للظالم، وأصبح رجال القانون مثالاً حياً للفساد والاستيلاء على الحقوق والأراضي ومخالفة القوانين التي أقسموا على تطبيقها؟!

إذا أصبح الحصول على سلاح أو قطعة مخدرات أيسر من إنهاء إحدى المعاملات في إحدى المصالح الحكومية، تلك المصالح التي تعد مثالاً صارخاً للبيروقراطية في أسوأ صورها!

في مدينة أصبحت الرشوة بها مسعرة.. مدينة امتزج فيها الهواء بالفساد وأصبح الزفير كرهاً وحقداً، مدينة تجبر قاطنيها على إظهار أسوأ ما فيهم.

في وطن بهذا القدر من الغيّ ولا يلوح في سمائه شارة "بات مان" ولم يظهر المفوض "غوردن" ليشعل فتيل مكافحة الفساد، فهل يصبح الحل هو التعايش مع الفساد؟!

ولكن إذا لم يظهر بات مان ما الذي يمنع تلك البيئة وذلك الوطن من أن يتقيأ جوكر جديدا، بل جوكر وبطريق ورأس الغول وذي الوجهين وغيرهم.

لم تعد جوثام مدينة خيالية، بل أصبحت وطناً كاملاً به مئات المدن التي لا ترتقي إليها جوثام في قدر الفساد والعشوائية والعنف.

إن "بات مان" يحارب الجريمة المنظمة ويواجه المجرمين في الشوارع، كم "بات مان" نحن نحتاجه لنواجه فساد التعليم وتسريب الامتحانات؟! كم "بات مان" نحتاجه لإيقاف صفقات أكياس الدم الفاسدة وإيقاف مافيا الأدوية؟! كم "بات مان" يلزمنا لمواجهة فساد الشرطة والجيش والتموين والقضاء؟! وهل يصلح "بات مان" لإصلاح الذمم وترميم الأخلاق؟!

أكسبت طبيعة مصر الزراعية سكانها الصبر والجلد حتى يستطيعوا مزاولة تلك الحرفة، ويتحملوا مشاقها.

ولكن إلى متى سوف يتحمل سكان ذلك الوطن الفساد وتوابعه؟! أم يا ترى فإن سكانها قد استطاعوا التعايش معه والتأقلم؟

هل إذا حل بأرض مصري يسعى للقضاء على الفساد هل يعاونه أهل مصر أم يقاومونه؟ في ذلك الوطن الذي أصبح فيه الجميع مستفيداً ومتضرراً في آن واحد فهل سوف يتقبل الناس الإصلاح ومقاومة الفساد، أم أن سرطان الفساد قد انتشر في كل أجزاء الجسد وأصبحت النهاية وشيكة.

في أحد أجزاء سلسلة "بات مان" الكارتونية أطلقت مجموعة من الشباب داخل جوثام على أنفسهم أبناء بات مان، وحاولوا مقاومة الفساد بالمدينة، واتخذوا من "بات مان" قدوة ونموذجاً واقتنعوا بأفكاره لقناعتهم بشخصه وفكرته، انقسم المجتمع حول تلك فكرة أبناء بات مان؛ فالبعض رأى أنهم خارجون عن القانون؛ لأنهم يواجهون الفساد بالقوة وبدون الرجوع للسلطات، وآخرون رأوا منهم أبطالاً؛ لأنهم يواجهون الفساد الذي تعجز الشرطة عن مواجهته أو تتغافل عنه، ولكن هل كان يستطيع أبناء بات مان القيام بذلك لولا وجود هذا النموذج؟!

هل نحن حقاً بحاجة إلى بطل خارق؟! أم نحن بحاجة إلى شخص يقاوم الواقع، ويكون هو الفتيل التغيير؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد