"ديبكة".. قرية صغيرة تقع شمال الغرب لمحافظة أربيل العراقية على طريق أربيل – مخمور، تبعد عن أربيل ثلث ساعة، اشتهرت بين ليلة وضحاها في كل العراق بسبب مخيم النازحين الذي يوجد فيه قرابة ألفي عائلة من أهالي محافظة نينوى..
الساعة 9 صباحا، القافلة جاهزة للانطلاق من محافظة أربيل إلى المخيم بعد وصولها من محافظة كركوك، تم تجهيز القافلة بثلاثة آلاف حصة غذائية، الساعة 9:20 صباحا تم الوصول إلى الهدف.
الفوضى عارمة بكل مكان في المخيم، الوجوه شاحبة، ينظرون إلى القافلة ووجوههم تحكي ألف قصة وقصة.
سئلت أحدهم محاورا له:
أنا: كيف حالك؟
هو: بخير..
أنا: كيف الجو معكم وأنتم تقطنون الصحراء تحت أقمشة ممزقة (علما أن درجة الحرارة في ذاك اليوم كانت 55 درجة مئوية)!
هو: كيف يكون حالنا ونحن بلا ماء وبلا كهرباء، والطعام يكاد لا يكفى الأطفال.
أنا: منذ متى وأنت هنا؟
هو: وصلنا قبل أسبوع بعد بدء العملية العسكرية..
هنا، بدأت دموع تنزل من عينيه، مخبئا خلفه قصة حزينة مشابهة لآلاف القصص الموجودة في المخيم.
أنا: ما بك؟
هو: فقدت إخوتي في أثناء الهروب، فقد ماتوا جميعهم في أثناء هروبنا من التنظيم الإرهابي "داعش" بسبب عبوة ناسفة تم زرعه من قبل "داعش" وبقيت أنا وبنات أختي التوائم لا يتجاوز أعمارهم الست سنوات.
في هذه الأثناء، تم تبليغنا من قبل مسؤول الفريق أن هناك مجموعة من الأهالي وصلوا إلى أحد سواتر القوات الأمنية وعلينا الذهاب لتفقدهم.
الساعة 11:30 صباحا، الهدف يبعد عن المخيم قرابة 40 دقيقة.
الساعة 12:10 ظهرا وصلنا إلى الموقع ودرجة الحرارة 56 درجة مئوية. منظر مريب جدا.. آلاف من الأشخاص من دون ماء في هذا الجو، الموقف مُبكٍ وفي حالة يرثى لها.
بعد تفقدهم وتقديم الماء والطعام لهم وتلبية احتياجاتهم مؤقتا، تم نقلهم إلى مخيم ديبكة بعد انتهاء الإجراءات الأمنية بحقهم.
رجعنا إلى المخيم والكادر يتسابق مع الوقت لتقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات لهم.
أصبحت الساعة 4 عصرا، انتهى عمل اليوم الأول بعد تسجيل احتياجاتهم.
خلال هذا اليوم، سجلنا مواقف عدة أذهلت العقل لشدة مأساتها.
الموقف الأول:
شاب فقد أمه وأباه خلال الهروب
(ش.ح) شاب يبلغ عمره20 عاما، فقد أمه وأباه في أثناء الهروب بعد أن انتهى بهم الحال بعبوة ناسفة أنهت حياة الأب والأم، وبقى (ش) وحيدا بعيدا عن أقاربه وأهله، حاملا معه ألماً وجروحاً لبقية حياته.
الموقف الثاني:
الأختان فاطمة وعائشة ذاتا الستة أعوام، فقدتا والدتهما خلال الهروب من تنظيم داعش بعد أن اشتد القصف على قريتهم في ناحية القيارة، وقبله تم قتل الأب بسبب انتمائه إلى القوات الأمنية بقطع رأسه أمامهما.
الموقف الثالث:
محمود، في الصف الثاني الابتدائي، لا يزال يحنّ إلى مدرسته في القيارة، وصل مع أهله قبل 4 أشهر إلى ديبكة.
محمود كان فرحاً جداً عندما أراني نتيجته وهو ناجح في دراسته، محمود يدرس في المخيم بعيداً عن أصدقائه الذي يحن إليهم.
هكذا، كانت الطريق إلى ديبكة بالنسبة إلى فاطمة وعائشة ومحمود وغيرهم، خطرة جدا، الموت ينتظرهم في كل لحظة، بين نيران القصف ونيران "داعش" الطريق حصد كثيراً من الأرواح وأصبح يرتوي من دماء الهاربين من جحيم "داعش".
جزء بسيطة من مأساة ديبكة، القصص والمآسي كثيرة جدا في المخيم، الوضع كارثي ومأساوي جدا أكثر مما تتصورون، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة هناك وقلة الطعام والماء.
اليوم الثاني كان مشابهاً لليوم الأول، الوقت عصيب يكاد لا يمر، الوضع يسوء، الأطفال في حالة يرثى لها، وكيف لا وثلث ساكني المخيم هم من الأطفال!
أكاد أجزم بأن حالتهم ستسوء إذا لم يتحرك العالم لنصرتهم.
أسأل الله أن يرحم بحالهم ويردهم إلى ديارهم عاجلا غير آجل، وأدعو العالم للنظر إلى حالهم..
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.