لا أسمع لا أرى لا أتكلم

القضاء هو المرتكز الأساسي لبناء الدول، وإذا اختلَّ هذا المركز مال ومالت الدولة إلى الهاوية، وهو بالحقيقة ما يحدث بالعراق بعد أن أصبح القضاء في حال يرثى له، فهو لا يحرك ساكناً، حتى عندما يخرج سياسي فاسد يعترف بلسانه أنه فاسد أو تلقى رشوة كما فعل الكثير بتبجح أو باستهزاء والأسماء كثيرة، لكن نحن يجب أن نركز على السبب الرئيسي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/06 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/06 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش

هذا حال القضاء العراقي، وقد يكون آخر من يتكلم في كل القضايا الجوهرية التي تمس حياة المواطن العراقي والتي هي من صلب عمل القضاء. لا يخفى على أي عراقي سكوت وغض طرف هذه المؤسسة وكل المؤسسات المعنية عن الفساد والفاسدين في كل مفاصل مؤسسات الدولة العراقية..

القضاء هو المرتكز الأساسي لبناء الدول، وإذا اختلَّ هذا المركز مال ومالت الدولة إلى الهاوية، وهو بالحقيقة ما يحدث بالعراق بعد أن أصبح القضاء في حال يرثى له، فهو لا يحرك ساكناً، حتى عندما يخرج سياسي فاسد يعترف بلسانه أنه فاسد أو تلقى رشوة كما فعل الكثير بتبجح أو باستهزاء والأسماء كثيرة، لكن نحن يجب أن نركز على السبب الرئيسي.

الأغرب أن القضاء العراقي ظل ساكتاً، حتى حينما خرج رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مهلِّلاً بأنه يمتلك ملفات تدين إرهابيين وقتلة مشتركين في العملية السياسية والبرلمان، وأنه يتستر عليها خوفاً على العملية السياسية "وكأنها أغلى من دماء وثروات الشعب العراقي".. أي أنه يعترف أنه يتستر على المجرمين، أو أنه يكذب ويلفق التهم لخصومه، وبكلتا الحالتين هو أدان نفسه بنفسه، ولكن لم يحرك القضاء العراقي ساكناً ولا الادعاء العام ولو باتهام له، بل كان من الأدوات القوية في يد المتنفذين بالسلطة في إسقاط الخصوم، وليس أداة تخدم مصلحة الشعب العراقي وتخليصه من القتلة والفاسدين.

منذ العام 2003 إلى الآن لم نرَ سياسياً واحداً فاسداً وِقِّفَ أو أدين أمام القضاء أو اللجان والهيئات المعنية كهيئة النزاهة، مع العلم ولا يخفى على أي عراقي أن من يريد أن يعمل بوظيفة في هيئة النزاهة عليه أن يدفع رشوة لكي يحصل على تلك الوظيفة، فكيف نريد من راشٍ ومرتشٍ أن يكون نزيهاً.

الشعب العراقي متلهف لأن يرى الفاسدين يسقطون أو يذهبون مكبلين إلى السجون في محاكم عادلة، هؤلاء الفاسدون الذين جثموا على صدور العراقيين وسرقوا مقدراتهم ولم يحفظوا أمنهم ودماءهم، بل ولم يقدموا ولو ما يعادل 10% من الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن، كالماء الصالح والكهرباء والنظافة في المدن، إلى أن وصلت بغداد في ترتيب المدن إلى الأسوأ للعيش بعد أن كانت دار السلام وعاصمة الخلافة ومدينة الفن والثقافة.

في بداية هذا الشهر استضاف البرلمان العراقي وزير الدفاع خالد العبيدي للاستجواب بتهم تتعلق بعقود فساد تشوب المؤسسة العسكرية المتمثلة في وزراة الدفاع، خصوصاً وأن الكثير من المدن العراقية محتلة من قبل داعش، إلا أن العبيدي قلب الطاولة على المستجوبين واتهم كلامياً الكثير من النواب الذين ساوموه حسب ادعائه على عقود وزارة الدفاع والتربح منها بطرق غير قانونية، مما أحدث ذلك ضجة في البرلمان وفي الشارع العراقي الحانق على الطبقة السياسية بجميع وجوهها في الأساس.

أغلب الشعب العراقي أشاد بكلام العبيدي لفضحه الفاسدين، بعد أن كانت كل صفقات الفساد تجري داخل أروقة السياسة المظلمة، ولكن أين القضاء العراقي المعني الأول من كل هذا؟! أين الادعاء العام؟ فقد وجه العبيدي اتهامات لشخصيات سياسية وأعضاء برلمان تهماً مباشرة في الفساد مع ذكر أسمائهم الصحيحة، تستدعي أن يكون للقضاء والادعاء العام وقفة في التحقيق ومحاسبة المسؤولين عن هدر ثروات الشعب، إذا كان ما ذكره وزير الدفاع حقيقياً، فيجب أن يحاسب هؤلاء أو إذا كان كلامه تلفيقاً وتسقيطاً أو هروباً للأمام من الاتهامات فيجب محاسبة الوزير، لكن الأهم أن يكون الدور الأكبر للقضاء وليس التراشق الكلامي في الفضائيات فقط.

مشكلة القضاء أن له نفساً طويلاً فلا يسمع ولا يرى ولا يتكلم في وقت حدوث الحدث وحرارة القضايا، بل ينتظر أن يبهت لهيب الاتهامات ليتخذ إجراءات شكلية لا تحاسب فاسداً ولا تربت على كتف الشعب المظلوم، والأمثلة كثيرة في ذلك.

على الشعب العراقي أن ينادي في كل تظاهرة أو فعالية جماهيرية بإصلاح القضاء أولاً وقبل كل شيء، وهو الخطوة الأولى في إصلاح كل الخراب الذي مر على البلد، فأن تكون يد القضاء قوية وعادلة ستضرب كل فاسد وسارق ومجرم وهو ما يؤمِّن مستقبل الدولة العراقية، وإلا فإن كل ما يحصل ما هو إلا مجرد زوبعات إعلامية بعيدة عن جوهر المشكلة ولا توفر حلولاً عملية، مشكلتنا الأكبر هي في القضاء! فأذا صلح، صلح جسد الأمة العراقية، وإذا بقي الحال على ما عليه فستستمر أزمتنا في هذا الوطن.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد