اتَّهمتْ الدولة التركية بكافة مكوناتها حكومةً وجيشاً وقضاءً وأحزاباً ومعارضةً، جماعة فتح الله غولن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، بعد قيام مجموعات من الجيش التركي مرتبطة بالجماعة بالسيطرة على بعض الأماكن الإستراتيجية والحساسة في تركيا كجسر البسفور ومطار أتاتورك الدولي، وإعلانهم الانقلاب على حكومة حزب العدالة والتنمية، حيث عملت الجماعة على التغلغل في أجهزة الدولة المختلفة وخاصة الأمنية والعسكرية من خلال طرق ملتوية، مثل سرقة أسئلة الامتحانات وتوزيعها على أفرادها. الذين تستقطبهم من خلال العملية التعليمية.
ومن العجيب أن فتح الله غولن بدأ باصدار مجلة "sızıntı"، والتي تعني باللغة العربية "تغلغل" في العام 1979 بعد 4 أعوام على بدء إعطائه المحاضرات الدينية في تركيا في عام 1975، وفي هذا السياق فإن تغلغل أفراد الجماعة داخل المؤسسة العسكرية قد تكثف منذ نهاية الثمانينيات، واستمر حتى عام 2015 حيث وصل الجنود الذين دخلوا إلى الكليات العسكرية في الثمانينيات إلى مواقع عسكرية متقدمة في الأعوام الأخيرة.
وعلى كل حال فقد ذكر مقربون من فتح الله غولن المقيم منذ 1999 في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة، أن الرجل صرح لهم في أكثر من مرة بأنه المهدي المنتظر، وأنه إنسان مختار من الله، وأنه لا يتحدث من تلقاء نفسه، بل إن الكلام ينساب على لسانه. وأن أحد مرافقيه عندما هنأه على افتتاح مدرسة في أميركا قائلاً من الجيد أنك جئت هنا وتركت تركيا، فرد عليه فتح الله غولن بأنه قد أشرف على هذا العمل منذ طفولته. وفي هذا السياق رأى كثيرون أن فتح الله غولن كان يرى في نفسه المهدي المنتظر وجعل أتباعه يؤمنون بهذا.
ولكن عند النظر إلى ما كان يقوم به فتح الله غولن، يتضح أن الأمر يتعدى هذا بكثير، فقد حاول الرجل من خلال مظلة حوار الأديان التي بدأ فيها -يُذكر أن غولن قد التقى بالبابا في عام 1998- إنشاء عقيدة واحدة لكل الأديان تحت إشرافه، وهو ما رفضه كل علماء الإسلام حتى أولئك الذين شاركوا في الحوارات.
ولعل هذه النقطة هي ما تشير إلينا أن الأمر أبعد من المهدوية، وأن المهدوية كغيرها من الأمور اتُّخذت كحصان طروادة للاستخدام عند اللحظة التي يرونها مناسبة لتحقيق أهدافهم. ومن الدلائل الأخرى وصف الرجل نفسه بأنه "إمام الكائنات" وكأن المهدوية لا تكفي فهو أراد لقباً أكبر من ذلك أو حصان طروادة أكبر من المهدوية، ربما ليحقق مزيداً من التأثير كشخص وكجماعة تمتد في أكثر من مكان ومجال.
ولعل وصف "إمام الكائنات" لا يليق بإنسان مسلم أن يصف نفسه به، والحديث من قبل فتح الله غولن نفسه بأن "جبريل عليه السلام لو طلب مني أن أنشئ حزباً سياسياً فلن استمع له ولتوجيهاته"، وهذا ما يتعارض مع علاقاته السياسية مع الأحزاب العلمانية وقادتها مثل بولنت أجاويد وسليمان ديميريل، فضلاً عن أن الممارسات الأخرى التي قامت بها الجماعة مثل تبريرها للوسائل من أجل الغايات، مثل سرقة أسئلة الامتحانات وتبرير بعض المحرمات والتنصت على عورات الناس ونشرها على الإنترنت واستغلال حاجات الفقراء.. كلها تفيد أن هذه الأمور كانت تستخدم كأدوات لفكر فاسد، أو أن هذا الفكر الفاسد كان أداة لجهة ما للإفساد؛ ولهذا قلتُ "ما بعد المهدوية".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.