عسكر مصر وتسويق الكذب والوهم

يقول الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب العاشر من رمضان عام 1973، إنه بعد نكبة 1967 أخذ المصريون يتهامسون أين الصاروخان؟ أين الظافر والقاهر؟ ولماذا لم يستخدمهما عبدالناصر في دك الصهاينة وتدمير تل أبيب؟ ولم تكن هناك أية إجابات عن هذه التساؤلات من السلطة العسكرية الحاكمة التي لاذت بالصمت الرهيب، وفي أثناء حرب الأيام الستة أخذ الإعلام المصري بتوجيهات من عبدالناصر وعسكره يروج بأن الجيش المصري المغوار على أبواب تل أبيب، وأن الطائرات الصهيونية تتساقط كالذباب، واستيقظ الشعب المصري على فاجعة احتلال سيناء وغزة والجولان والقدس، وأن الطائرات المصرية دُمرت على الأرض.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/04 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/04 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش

نشرت جريدة الشروق المصرية، في عددها الصادر بتاريخ 3 أغسطس/آب 2016 خبراً بعنوان (الحكومة توافق على مشروع قانون إنشاء وكالة فضاء مصرية)، جاء فيه أن مجلس الوزراء وافق في اجتماعه الأربعاء، برئاسة شريف إسماعيل، على مشروع قانون، بإنشاء وكالة الفضاء المصرية لنقل وتوطين وتطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء لامتلاك القدرات الذاتية لبناء وإطلاق الأقمار الصناعية من الأراضي المصرية، وكذلك توفير الاستثمارات اللازمة لذلك في إطار الموازنة العامة للدولة.

هذا الخبر يأتي بعد عام تقريباً من بروباجندا افتتاح تفريعة قناة السويس التي أطلق عليها العسكر عبر أبواقهم الإعلامية "قناة السويس الجديدة"، والتي ثبت بالدليل القاطع أنها مشروع فاشل لا طائل من ورائه تكلف 60 مليار جنيه من جيوب المصريين، وتراجعت بعده إيرادات قناة السويس بشكل غير مسبوق، بحسب البيانات الصادرة من هيئة قناة السويس، بل إن السيسي نفسه صرح في أحد الحوارات التليفزيونية أن هذا المشروع كان من أجل رفع الروح المعنوية للمصريين!!

نعود إلى خبر جريدة الشروق الذي يتحدث عن إنشاء وكالة فضاء مصرية في إطار الموازنة العامة للدولة! وهذا الكلام محض كذب وتدليس وتسويق للوهم للأسباب التالية:

إن حجم أقساط وفوائد وأعباء الديون في الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2016-2017 هو 548,8 مليار جنيه من إجمالي الموازنة، يعني حوالي 46% من الموازنة سيذهب لسداد أقساط الديون وفوائدها، فكيف ستتحمل موازنة الدولة تكاليف إنشاء وكالة للفضاء.

جدير بالذكر أن الدين المحلي بلغ في نهاية مارس/آذار الماضي، بحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي، 2,5 تريليون جنيه والدين الخارجي بلغ 53,5 مليار دولار، أي أن الدين العام بلغ 3,1 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، وهي كارثة بكل المقاييس تُغرق البلاد في الديون لسنوات قادمة، بالإضافة لتراجع الاستثمارات وانهيار قطاع السياحة وتراجع قيمة الجنيه بشكل غير مسبوق أمام الدولار، ولجوء العسكر لصندوق النقد الدولي، مما يعني الرضوخ لشروطه المجحفة، فهل هناك عاقل يمكن أن يصدق أن مصر ستُنشئ وكالة للفضاء في ظل هذه الظروف الكارثية.

بالعودة للتاريخ سنجد أن كتاب العسكر ملىء بالكذب والتدليس والخرافات والأوهام والضحك على الشعب وتضليله، ظناً منهم أن هذا الشعب لديه ذاكرة سمكية فلا يكادون ينتهون من كذبة حتى يروجوا لكذبة أخرى، وهكذا دواليك من خلال أبواقهم الإعلامية المضللة الكاذبة.

في ستينات القرن الماضي أثناء حكم جمال عبدالناصر قامت القوات المسلحة بتصنيع صاروخين باسم "الظافر" و"القاهر"، وكان جمال عبدالناصر في كل خطاب من خطاباته الجماهيرية يقول إن مدى الصاروخ "القاهر" يصل إلى 600 كم، أما "الظافر" فيصل مداه إلى 350 كم، ويستطيعان بكل سهولة قصف إسرائيل وتدمير تل أبيب وجعلها خاوية على عروشها في دقائق، وأخذت الصحافة والإذاعة والتليفزيون تتحدث ليلَ نهار عن هذا الإنجاز الرهيب، وقام العسكر بوضع مجسمات معدنية للصاروخين في الميادين الكبيرة، وسط تهليل من الجماهير التي أيقنت بالزوال الحتمي لإسرائيل.

يقول الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب العاشر من رمضان عام 1973، إنه بعد نكبة 1967 أخذ المصريون يتهامسون أين الصاروخان؟ أين الظافر والقاهر؟ ولماذا لم يستخدمهما عبدالناصر في دك الصهاينة وتدمير تل أبيب؟ ولم تكن هناك أية إجابات عن هذه التساؤلات من السلطة العسكرية الحاكمة التي لاذت بالصمت الرهيب، وفي أثناء حرب الأيام الستة أخذ الإعلام المصري بتوجيهات من عبدالناصر وعسكره يروج بأن الجيش المصري المغوار على أبواب تل أبيب، وأن الطائرات الصهيونية تتساقط كالذباب، واستيقظ الشعب المصري على فاجعة احتلال سيناء وغزة والجولان والقدس، وأن الطائرات المصرية دُمرت على الأرض.

وسار عبدالفتاح السيسي والعسكر على نفس النهج بعد انقلابهم المشؤوم على الديمقراطية في 3 يوليو/تموز 2013 فروجو الأكاذيب تلو الأكاذيب والأوهام تلو الأوهام من خلال أبواق إعلامية كاذبة خاطئة، فروَّجوا لجهاز عبدالعاطي (جهاز الكفتة) الذي يعالج فيروس "سي" والإيدز، بمجرد مرور المريض أمامه، فإذا به وهم كبير وتدليس فاحش واستخفاف بعقول الناس، ثم يأتي وهم المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ الذي سيدر على المصريين مليارات الدولارات في أيام معدودات، وإذا به وهم كبير لخداع الشعب وتسكينه وتخديره وبعد ذلك فنكوش تفريعة قناة السويس الذي أطلق عليه إعلام العسكر (قناة السويس الجديدة).

بعد افتتاح التفريعة وسط هالة إعلامية جبارة في أغسطس 2015 تراجعت إيرادات القناة في نفس الشهر أغسطس عن الشهر نفسه من العام الفائت، وكذلك إيرادات سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني وارتفعت قليلاً في فبراير/شباط، ثم تراجعت في مارس، وفق بيانات هيئة قناة السويس، إلى أن أصدر رئيس هيئة قناة السويس، بتعليمات من السيسي، قراراً بمنع إصدار أية بيانات من الهيئة عن إيرادات قناة السويس التي تراجعت خلال 7 شهور بنحو 168 مليون دولار.

ثم بدأ الترويج لمشروع المليون وحدة سكنية والعاصمة الإدارية الجديدة، واستصلاح المليون ونصف المليون فدان، وشبكة الطرق العالمية وغيرها وغيرها، والتي لا أثر لها على أرض الواقع، فكلها كذب وتدليس، وفنكوش وراء فنكوش؛ لإلهاء الشعب وتخديره وتسكينه في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية بائسة.

إن العسكر لا يجيدون ولا يحترفون إلا الكذب والتدليس وترويج الأوهام وتسويقها، عبر إعلام بلا ضمير يضلل الناس ويخدعهم ويتلاعب بعقولهم.

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد