ديجافو! محاولة الغرب تحويل تركيا لمصر أخرى

لقد كان من الواضح أن العالم الغربي سوف يشرعن انقلاب الخامس عشر من تموز في حال اكتماله. باختصار تركيا كانت ستتحول إلى مصر أخرى، ميداني تقسيم والكزلاي ربما كانا سيتحولا إلى ميداني النهضة ورابعة، وكان العالم الغربي سيقدم المجازر التي كانت ستحدث دون رحمة ضد المناهضين للانقلاب على أنها إعادة إنشاء للديمقراطية من جديد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/04 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/04 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش

في أثناء تواجدي بين المتجمهرين الذين انتصروا للديمقراطية أمام مبنى البرلمان التركي في ليلة الخامس عشر من تموز/يوليو، تبادر إلى ذهني ما عايشته في شوارع القاهرة أثناء وقوع الانقلاب، وعندها حاولت المقارنة بين الحدثين. الأتراك كما المصريون ظنوا لوهلة أن الجيش لن يفتح النار على المدنيين، لكن هذه الأفكار ما لبثت أن تلاشت مع استهدافهم من قبل الطائرات والدبابات والمروحيات. لكن على الرغم من هذا فلم يتراجع المتجمهرون، ومع نداء الرئيس أردوغان تزايد عدد المشاركين وواصلوا دفاعهم عن الديمقراطية حتى النهاية. في المحصلة لم يسمح للانقلاب بأن يمرّ، لكن سقط بالمقابل 250 شهيد وأكثر من ألف من الجرحى. كان البدل كبيراً لكن المقابل كان كبيراً ايضاً. سُجلت ليلة الخامس عشر من تموز كنقطة تحول في التاريخ وضعت فيها الانتماءات الحزبية والإيديولوجية والعرقية جانباً.

انقلاب مصر والموقف الغربي
من يوم لآخر ومن خلال استذكاري لمعايشاتي في شوارع القاهرة وأنقرة، بدأت تترسخ لدي نقطة حول التشابه بين الحدثين. نعم، أنا أتحدث هنا عن الموقف الذي تبناه الإعلام ومراكز الدراسات والجهات السياسية الغربية (مع وجود بعض الاستثناءات) من انقلابي مصر وتركيا.
لقد فضلت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخذ موقفاً أنكرت فيه انقلاب الثالث من تموز 2013 الواضح للعيان في مصر عن وعي كاملٍ بالحقائق. وأخذ الغرب بلعب دور القرود الثلاثة (التي لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم) في مواجهة الانقلاب الذي استهدف أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تاريخ مصر بعد عامٍ واحدٍ من انتخابه. بينما كان الكثير من الأحزاب السياسية تغلق، والإعلام يضيق عليه، وعشرات آلاف الأشخاص يعتقلون، والأهم من ذلك لجوء الجيش والشرطة للعنف في محاولتهم لإخماد المظاهرات المناهضة للانقلاب، كانت الولايات المتحدة على الطرف الآخر وكأنما تستهزئ بعقولنا من خلال تصريحات تدعي فيها أنها تجد صعوبة في تعريف ما يجري في مصر وفي تسمية ما يحدث.

على غير المأمول واجه الانقلاب مقاومة جديّة دفعت الانقلابيين للقيام بمجازر لإخمادها، ما دفع موقف الولايات المتحدة للتذبذب تحت هول المشهد. مع ارتفاع حدة الانتقادات للانقلاب اضطرت الولايات المتحدة لتعليق المساعدات العسكرية، لكن هذه المسرحية لم تطل كثيراً، فلقد استمرت الولايات المتحدة بضخ الأموال لجنرالات الجيش المتنفذين وبتسليح الجيش المصري وتدريبه. في النهاية، ظهر لنا من جديد أن ما قاله الرئيس الأمريكي قبل سنوات حول الديمقراطية والحريات لشعوب الشرق الأوسط هو كلام فارغ من معناه، وأن الولايات المتحدة سوف تستمر بدعم النظم الانقلابية والتسلطية في العالم الإسلامي.

كما أن الاتحاد الأوروبي دولاً أعضاء ومنظمة لم يتورع عن اتخاذ موقف مشابه لموقف الولايات المتحدة. ففي الزيارات التي قام بها الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "كاثرين اشتون" لمصر بعد الانقلاب، وبدل الوقوف في وجه الانقلابيين، حاولت اقناع المجموعات السياسية التي تعارض الانقلاب بالاعتراف بـ"الواقع الجديد" في معارضةٍ للقيم التي مثلت أحد عناصر القوة الناعمة للاتحاد الأوروبي. في المحصلة فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي امتنعوا حتى عن وصف ما حدث بالانقلاب، بل واستمروا بطرق ملتوية بدعم النظام الانقلابي في مصر سياسياً واقتصادياً وكذلك حافظوا على العلاقات العسكرية معه.
لقد تعامل الإعلام الغربي مع ما حدث في مصر بازدواجيةٍ واضحة. لقد أظهروا مرسي كفرعون، والجنرال السيسي كرجل يقف في وجه "الإرهاب الإسلامي المتطرف" لإعادة إنشاء الديمقراطية، واستهدفوا الإخوان المسلمين بدل استهداف الانقلابيين. وبينما كانوا يتهمون الإخوان بأنهم دفعوا بالبلاد نحو الاستقطاب السياسي، ويزعمون بأن مصر كانت ذاهبة لتطبيق الشريعة، كان الجيش المصري بدوره مستمراً بمجازره.
بنظرة إلى الخلف بعد مضي ثلاث سنوات على الانقلاب، نرى آلاف القتلى، وأكثر من 40 ألف معتقل سياسي، و"واقع جديد" لمصر غير المستقرة، المنهارة اقتصادياً والممزقة اجتماعياً.

ديجافو!

من الثالث إلى الخامس عشر من تموز … ثلاث سنوات مرت بين انقلاب مصر والمحاولة الانقلابية في تركيا لكن الحوادث تجلّت أمامي وكأنما هي تكرار لما سبق، كأنني أمر بحالة ديجافو "وهم سبق الرؤية". على الرغم من المحاولة الانقلابية الواضحة التي دهس فيها الناس بالدبابات وقصف البرلمان بالطائرات، جاءت التصريحات الأولى من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بعد صمت طويل متأخرة وغير كافية، ولتذكرنا بموقفهم مما حدث في مصر. لقد بدى واضحاً أن الإعلام الغربي من خلال استهدافه لمن وقف في وجه هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة من الشعب التركي واللاعبين السياسيين وعلى رأسهم الرئيس التركي أردوغان قد عاش خيبة أملٍ بسبب فشل الانقلاب. لقد حاولوا تصوير المحاولة الانقلابية وكأنه مسرحية من الرئيس التركي أردوغان لترسيخ فوته، حتى أن بعض الكتابات أخذت بالحديث ومسائلة عضوية تركيا في حلف الناتو. مراكز الدراسات أخذت بنشر تقارير عن سبب فشل المحاولة الانقلابية وتفسيرها بعدم قدرة الانقلابيين على قتل الرئيس التركي أردوغان، وذهب بعضها للإشارة إلى أن عمليات مواجهة داعش أصبحت اصعب من ذي قبل، حتى أن البعض ذهب بعيداً ولمح إلى أنّ أردوغان قد يستخدم تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة. من جهتها سارعت منظمات حقوق الإنسان الغربية التي تتلكّأ عن نشر تقرير عن سوريا التي يقتل فيها آلاف الناس لنشر تقارير خلال أيام تفيد فيه بأن المشاركين في المحاولة الانقلابية يتبقون معاملة سيئة
لقد حمل موقف اللاعبين الدوليين من المحاولة الانقلابية في الخامس عشر من تموز وما تلاها إشارات إلى وقوف هؤلاء اللاعبين خلف هذه المحاولة، عموماً لن أستطرد في هذه النقطة، فليس هذا هو غرض هذا المقال.

لقد كان من الواضح أن العالم الغربي سوف يشرعن انقلاب الخامس عشر من تموز في حال اكتماله. باختصار تركيا كانت ستتحول إلى مصر أخرى، ميداني تقسيم والكزلاي ربما كانا سيتحولا إلى ميداني النهضة ورابعة، وكان العالم الغربي سيقدم المجازر التي كانت ستحدث دون رحمة ضد المناهضين للانقلاب على أنها إعادة إنشاء للديمقراطية من جديد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد