يبدو أن السنوات العجاف التي مرت على أرض مصر زمن سيدنا يوسف، لن تكون هي الأخيرة والوحيدة، فبرغم أن مصر مرت في السابق مراراً بتدهور اقتصادي حاد، إلا أنها لم تشهد سنواتٍ عجافاً مريرة كالتي شاهدها عزيزها في حلمه، وهي "السبع بقرات العجاف"، فجاب الأرض على أحد يفسر له رؤياه تلك التي أرقت مضجعه، حتى جعل الله من هذه الرؤى سبباً لإخراج سيدنا يوسف من سجنه، ليفسر له رؤياه بأنها سبع سنين عجاف تحل بأرض مصر.
لكن السنوات القادمة الآن على مصر لا تحتاج لرسول حتى يتنبأ بها أو يتوقعها، فهي واضحة وضوح الشمس في كبد السماء لا بل أكثر وضوحاً، فحين يكسر الدولار سقف الـ13 جنيهاً مصرياً، في السوق السوداء للمرة الأولى في تاريخه على الإطلاق، بعد أن كان منذ أيام قليلة فقط يقترب من ملامسة 12 جنيهاً، وتجمع الآراء على حتمية ارتفاع الدولار أكثر من هذا بكثير في غضون شهر على الأكثر، وترجيح وصوله إلى 15 جنيهاً قبيل عيد الأضحى المبارك القادم؛ إذا ما استمرت المعطيات على هذا النحو السيئ في إدارة الأزمة.
ولا يعد هذا التدهور في قيمة الجنيه المصري بجديد، فقد بدأ الجنيه بالانخفاض منذ ثورة عام 1952 يوم كان الجنيه في عصره الذهبي حيث يساوي 4 دولارات ويعادل 7.44 غراماً من الذهب، واليوم غرام الذهب يعادل نحو 300 جنيه مصري، ومنذ ذلك اليوم والجنيه في تدهور مستمر؛ إلا أن انهياره في هذه الأيام هو أمر مختلف تماماً، فتدهور الجنيه السريع جداً هذا وغير المسبوق، يجعل منه وبال شؤم ونذير سوء على الشعب مصري لا محال، الذي بدت علاماته تدق كل بيت من بيوته، وسوف تتفاقم بصورة أكبر وأبشع في الأيام المقبلة، بعد ارتفاع نسبة الفقر ارتفاعاً ملحوظاً، وتحول كثير من العائلات من الفقر إلى الفقر الشديد.
تسببت أزمة الجنيه مقابل الدولار إلى ركود في باقي السوق الاقتصادي المصري في كل جوانبه، فقد شهدت سوق العقارات كساداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، متمثلة في وقوف حركة البيع والشراء إلى إشعار آخر، على أمل استقرار واتزان السوق مجدداً، وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسي منها وغير الأساسي، مما دفع بالشعب المصري إلى التذمر بصوت مرتفع من شدة الضيق، والشكوى لعدم القدرة على شراء الغذاء الأساسي لهم، ولم تكن السلع الغذائية هي الوحيدة التي شهدت ارتفاعاً في الأسعار، فقد ارتفعت أسعار الأجهزة الكهربائية بنسبة 10٪ بسبب استمرار انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
ارتفعت الأصوات مطالبة بإقالة رئيس البنك المركزي بعد أن سيطرت حالة من الهلع جراء التدهور الذي شهدته السوق الاقتصادية المصرية، حيث شهد الدولار يوم الثلاثاء ارتفاعاً ملحوظاً في السوق الموازي "السوداء"، مُحطماً كل قيوده، حيث سجل سعر الدولار للبيع 13.5 للشراء 13.15 فيما لا يزال السعر الرسمي له بالبنك المركزي عند 8.88، متهمين إياه بالتفريط بالعملة الوطنية، وأشار كثير من خبراء الاقتصاد المصري وغير المصري، بأن ما أدلى به "طارق عامر" محافظ البنك المركزي من تصريحات في الآونة الأخيرة، لم تكن صائبة البته، حيث ساهمت بشكل رئيسي وفعال في تردي الأوضاع بالسوق الاقتصادي المصري، طالبين منه أن يمسك لسانه عن هكذا تصريحات من شأنها الإسراع في تفاقم سوء الوضع الاقتصادي، وأن يكون مُقلًّا قدر الإمكان بأحاديثه الصحفية، فعندما يصرح صاحب هذا المركز المرموق بحتمية انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار مسبقاً! فهذا يعني توجيه أنظار الجميع إلى ضرورة التشبث بالدولار والاحتفاظ به؛ بل والاستماتة على جمعه في وقت قصير، مما يزيد من انهيار الجنيه أكثر وأكثر (وهذا ما حدث بالضبط)، حيث تهافت المتداولون والمضاربون والمتلاعبون بسوق النقد والأفراد العاديين أيضاً على اكتناز العملة الخضراء في أقل وقت وبأي سعر لتحقيق مكاسب مضمونة تفوق أعلى معدل عائد أو ربح على الأوعية الاستثمارية أو الادخارية الموجودة في مصر، فتحول الدولار إلى سلعة تتاجر فيها فئات ليس لها أي علاقة بالعملة الأميركية وتتربح بطريقة سريعة وغير شرعية، حيث فاقت أرباحهم أرباح تجار السلاح والمخدرات، خلال فترة قصيرة.
ووصف الدكتور "علي المصيلحي" رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، في بيان له عن ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء: "بأنها هوجة غير مبررة، مؤكداً أن الدولار سيشهد ارتفاعاً سريعاً في الأيام القادمة"، وقال رئيس اللجنة الاقتصادية، إن "طارق عامر" محافظ البنك المركزي أطلع نواب اللجنة الاقتصادية على إجراءاته الدورية التي يتابع من خلالها البنوك لفتح الاعتمادات الاستيرادية للسلع، وتعهد "عامر" بتلبية كل الطلبات فوراً للإبقاء على أسعار السلع في الأسواق كما هي دون أي زيادات.
وقال النائب عمر وطني، عضو مجلس النواب وعضو لجنة الطاقة، في بيان له: "إن الارتفاع الكبير في سعر الدولار يعد تلاعباً بالاقتصاد المصري"، وأضاف قائلاً: "إن هناك أموراً سياسية تقف وراء تلك الكارثة وعلى الدولة حلها، أولاً بطرق جذرية من خلال وجود تقوية حجم الصادرات التي تدر العملات الأجنبية الصعبة وخلق تنمية اقتصادية حقيقية على كل المستويات". كما طالب بتضافر كل جهود الدولة للخروج من تلك الأزمة، وقد صرح بأن قرارات الحكومة التي اتخذتها إثر ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الجنيه مقابل الدولار جميعها مهمشة ومتخبطة ولا تساير حجم الأزمة، مشدداً أنه لا بد من السيطرة على تجار السوق السوداء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.