بعد 45 يوماً من المعارك الطاحنة باتت قوات المجلس العسكري لمنبج تسيطر على حوالي نصف المدنية بعد تحريرها لعشرات القرى والمزارع من داعش ولا تزال الاشتباكات مستمرة وتتركز على مقربة من مركز المدينة.
فالمقاتلون الذي حرروا الآلاف من المدنيين إلى الآن كل منهم يتحدث عن عشرات القصص التي عايشها بظل الاحتلال الداعشي كالجلد والقتل، وأبشع الصور التي قد يتصورها العقل البشري، فكانت هذه الحملة التي أطلقت بناءً على مناشدات مكونات منبج العربية الكردية التركمانية، والتي هي مزيج لفسيفساء المجتمع السوري المتنوع الأعراق والثقافات، إلا أن داعش كانت قد صبغته بلونها الأسود الذي يدمر كل ما هو جميل، فكانت هذه الحملة كالخلاص والانبعاث من جديد، كما سماه البعض من المدنيين المحررين.
إلا أن بطش داعش بحق المدنيين مستمر إلى اللحظة، وبشكل أفظع فالمئات من المدنيين المحاصرين في المدينة محرومون من الغذاء والماء، لا بل حتى محرومين من الخروج من بيوتهم، وكل مَن يشاهد خارج بيته يكون هدفاً لقناصي داعش، وشوهد عدة حالات كذلك، وعلى أثرها فقد عدد من المدنيين لحياتهم، وحتى جثثهم لا تزال في الشوارع، لا أحد يستطيع النزول والذهاب إليها خوفاً من المصير المماثل.
ومن جهة أخرى فالمقومات الحياتية مفتقدة إلى درجة كبيرة، فشوهد عدة عائلات لا تملك ربطة خبز حتى، فضلاً عن المواد الغذائية الأخرى، فللحصول على ربطة خبز يتوجب عليك الذهاب وتأدية دورة شرعية لبضع ساعات مضمونها بأن القوات التي تقاتل داعش هم كفار، ويتوجب على الجميع قتالهم والدفاع عن الدولة الإسلامية، التي هي الممثل الحقيقي للإسلام، وغيرهم مرتدون، أي طوال الدورة الشرعية لا يتم الحديث سوى عن القتل وحماية كرسي البغدادي.
وهنا لا ينتهي الأمر لا بل بعد رؤية داعش بأن المدنيين جميعهم يرغبون بالتخلص منه، قام بإصدار الحكم بالتجنيد الإلزامي للشباب، وتسليحهم حتى وإن كانوا غير مدربين على ذلك، وسوقهم إلى جبهات القتال ضد قوات مجلس منبج العسكري، وذلك تقوية لخطوطه الدفاعية التي باتت تعاني من نقص في العدة والعتاد؛ حيث يلاحظ ذلك في المعارك الدائرة في الأيام الأخيرة .
إجراءات داعش التعسفية وقيامه بكل شيء في سبيل الدفاع عن نفسه لم تتوقف عند كل ذلك، فلأجل حماية نفسه من ضربات طائرات التحالف الدولي والمشاركة بفاعلية في هذه الحملة، يقوم داعش بتجميع المدنيين، وخصوصاً الأطفال والنساء، بأماكن تمركزه، كي لا تقوم الطائرات بقصف تلك النقاط، حيث شوهد أكثر من مرة توقف طائرات التحالف عن قصف نقاط استراتيجية لداعش، يتمركز فيها أمراء مهمون وذلك لوجود مدنيين بالقرب من تلك النقاط.
الألغام هي أيضاً إحدى العوائق الأساسية أمام تقدم المقاتلين وتحرير ما تبقى من المدينة؛ حيث قام "داعش" بزرع الألغام بشكل كبير في كل مكان وبيت، وتسبب إلى الآن بفقدان عدد من المدنيين لحياتهم، إلا أن الوحدات الهندسية المختصة التابعة لمجلس منبج العسكري تتحرك مع المقاتلين، وتقوم بتنظيف الأماكن المحررة من الألغام ومخلفات "داعش".
وعلى الرغم من كل تلك العوائق التي وضعها "داعش" وذلك أملاً منه بأنه سيدفع المقاتلين للرجوع إلى الوراء والتراجع عن الحملة، فإن جميع المقاتلين مصرّون على الثأر لقائدهم "أبو ليلى"، وتحقيق هدفه، وهو تحرير منبج من الاحتلال الداعشي، ورفع عَلَمهم بوسطها، والتأكيد مرة أخرى على أن ثورة أخوة الشعوب هي المنتصرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.