في ذلك الزمن

ما نجح فيه الغرب هو استغلال كل نقاط الضعف لدى الشعوب العربية، وأصبحت الحرب الدائرة الآن هي الحرب الذكية التي تقدم لهم ما يريدون وهم لم يحركوا جندياً واحداً يأتي إليهم بلا أي جهد ولا تكلفة، ونحن من نقدم لهم ما يريدون بكل سرور، الانفتاح شيء جيد، ولكن نحن العرب أسأنا استخدامه وحققنا رغبتهم في الاستيلاء علينا بلا أي خسائر لديهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/24 الساعة 02:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/24 الساعة 02:57 بتوقيت غرينتش

في ذلك الزمن العجيب الذي نعيش فيه، والذي أصبح كل شيء فيه قابلاً للبحث، وأصبح العالم منفتحاً، ومن السهل الحصول علي أي معلومات عن أي شيء في خلال ثوان، أصبح الكثير من الأمور غير مفهومة ومشكوكاً فيها، تكاثرت المعلومات وتكاثرت الأقاويل والآراء، واختلفت القصص بعد ما كنا لا نسمع سوى قصة واحدة عن أمر ما، ولكن البحث الإلكتروني والانفتاح أصبحا كضخ لا ينتهي من المعلومات، وبدأت معاناة الفرد منا في البحث عن شيء ما، والبحث عن أصلها ومدى صحة المعلومات، وبعد أن يصل إلى معلومة ويثبت رأيه عليها ما يلبث أن يجد معلومات أخرى، فيثور لديه الشك من جديد، نحن في زمن هدم كل ما سبق بالشكوك والبحث وراء كل قصة رويت، والإتيان بكل جديد لهدم القديم، ولكن السؤال يكمن في: هل الانفتاح أفضل هل هو تطور أم هدم؟ هل ذلك العصر هو الأفضل أم عصر الأجداد؟

قد يكون الزمن السابق هو زمن البناء، والزمن الحالي هو زمن الهدم لكل ما سبق وهدم كل الموروثات التي نشأت بلا أساس منطقي ولا أصل مقنع، ولكن هل نحن في زمن الهدم؟ وماذا في المقابل؟ ماذا نبني مقابل ما نهدم؟ أعتقد أننا نبني الحواجز بيننا وبين أنفسنا، وبيننا وبين الآخرين، نبني التشتت وعدم الأمان وهدم الهوية، يجب أن نفرق بين الموروثات التي يجب أن تهدم، لأنها بنيت على أساس غير منطقي، وبين ما يجب أن نتشبث به؛ لأنه يمثل هويتنا وماضينا، أعتقد ما نجح به الغرب ووسيلتهم في الانفتاح هو هدم وطمس هوية الشعوب الأخرى، وخصوصاً العربية، لتصبح بعد مرور العصور والأزمان بلا ماض ولا هوية ولا أصل معروف، ويصبح من السهل احتلالها مادياً بعد ما تم احتلالها فكرياً وثقافياً وأخلاقياً ومعرفياً، نحن الشعوب العربية مرضى بعقدة الدونية، إننا شعب أقل، وإننا من يجب الآن أن نقلد ونتبع الغرب.

ما نجح فيه الغرب هو استغلال كل نقاط الضعف لدى الشعوب العربية، وأصبحت الحرب الدائرة الآن هي الحرب الذكية التي تقدم لهم ما يريدون وهم لم يحركوا جندياً واحداً يأتي إليهم بلا أي جهد ولا تكلفة، ونحن من نقدم لهم ما يريدون بكل سرور، الانفتاح شيء جيد، ولكن نحن العرب أسأنا استخدامه وحققنا رغبتهم في الاستيلاء علينا بلا أي خسائر لديهم.

يا ليتنا أخذنا منهم ما يفيدنا وما يتماشى مع هويتنا وأصلنا، ونكف عن محاولة قلع الزي العربي وتقليد الغرب في كل شيء، والتمسك بماضينا وأصلنا وثوابتنا بكل إصرار ويقين، بدلاً من أن يظهر الواحد منا في بطاقته عربياً وهو بداخله كل الحب والانحياز لكل ما يتعلق بالغرب.

نحن ينقصنا أن نجيد استخدام الفخ الذي يضعه الغرب لنا لصالحنا، بدلاً من أن نأخذ منهم الفخ بكل سرور، ونعطي لهم ما يريدون بكل حب ولطف، فإذا استخدمنا عقلنا يوماً وحميناه بأصولنا وهويتنا سنحقق ما نراه مستحيلاً، سنحافظ على هويتنا، وفي نفس الوقت نستخدم التقدم بكل إيجابية وذكاء، نجح الغرب في قتلنا ثم فتح أحضانهم لنا كملجأ وكأنهم المنقذ وليس القاتل، فنتبرأ من بلادنا ومن شعوبنا ومن أصولنا، وكل شيء يتعلق بنا، ونحتمي بهم؛ لأنهم الأفضل والأكثر إنسانية، فلنستخدم الانفتاح في البناء بدلاً من نهش جذورنا ومحاولة التشكيك فيها وهدمها، لنصبح بلا أصل وبلا ماض، ونستخدم الانفتاح أيضاً في الوصول لكل ما هو حقيقي، وهدم كل الموروثات الخاطئة التي تم تطبيقها عصوراً بلا تفكير وبلا حتى ذرة شك في أصلها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد