خطاب الكراهية الإلكتروني في الوطن العربي

يتم الحفاظ على حرية الرأي ومواجهة خطابات الحقد والكراهية في آن واحد عندما يتم إشاعة ثقافة الاحتجاج والجدل السلمي، والابتعاد عن الخطابات التي تتخذ من العنف والتمييز منطلقاً لها مهما كانت الآراء متنافرة ومختلفة، فالحوار الفعال والاتصال الذكي يمكن لهما أن يوضحا العديد من المسائل التي أصبحت تشكل ألغاماً موقوتة إن لم تكن بذورها تنمو في جو يساعد على إذكاء هذا النوع الخطير من الخطابات من الأحاسيس السلبية تجاه الآخرين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/24 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/24 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش

منذ سنوات والعالم منشغل بمحاربة خطاب الكراهية، بل منشغل بتحديد تعريف معين ومعتمد لخطاب الكراهية دون الوصول إلى نتائج إيجابية ملموسة، فالكراهية هي وليدة الحقد على الآخر، من خلال استخدام عبارات تؤيد التحريض على الضرر، من خلال التمييز والعنف والعدوانية، بحسب الهدف الذي تسعى له خطابات الكراهية الناتجة عن أسباب عقائدية أو فكرية أو طائفية أو قومية، وقد أصبح الإنترنت هو نقطة التقاطع بين مختلف الأفكار والتوترات المجتمعية داخل المجتمع الواحد، وأصبحت التكنولوجيا الجديدة هي عبارة عن فرص وتحديات في آن واحد تواجه المواطن العربي.

ويتميز خطر التكنولوجيا الجديدة بالنسبة للدول النامية والمتمثلة بالشبكة العنكبوتية "الإنترنت" عن غيره من الوسائل الأخرى، بنشر خطاب الكراهية كونه قليل التكلفة وسريع الانتشار، مع إمكانية إثارته واستمراريته في أي وقت.

لا يستهدف مفهوم الكراهية فرداً محدداً من المجتمع، بل يحرص مفهوم الكراهية والحقد على استهداف جماعة اجتماعية أو ديموغرافية بعينها، ولا يمكن إطلاقاً حصر خطاب الكراهية ضد شخص معين؛ وذلك لأن مفهوم الكراهية أكبر من مفهوم "العداوة الشخصية".

تستهدف الخطابات التي تحمل في طياتها الكراهية وإشاعة الفوضى المواطن العربي الذي يتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي متنفساً لقضاء بعض الوقت، كون الإنترنت يتمتع بميزة النقاش والجدال عكس الوسائل الأخرى، حيث أصبحت خطابات الكراهية تتسلل إلى الشخص المستهدف بدون استئذان، وبدون أن يشعر بها أحد، مراعياً المرسل وقت بثه للخطاب وحرفية صياغة الخطاب ونوعه ورصانة التسويق.

الطريقة التي تكاد تكون الأنجح للكشف عن الأشخاص الذين تأثروا بخطابات الكراهية، هو التحاور معهم وفتح مواضيع مضادة للكراهية والحقد وردة الفعل ستكون كفيلة بمعرفة الشخص أنه متأثر أم لم يتأثر بعد، ومن لم يتأثروا بخطابات الكراهية يُصنَّفون إلى قسمين: القسم الأول هم الأشخاص الأذكياء الواعون لحجم المؤامرة التي تستهدف تدمير المجتمعات، والذين يدركون تماماً ما تجلبه هذه الخطابات من دمار وتفكيك للمجتمع، ولم يجلوا لأنفسهم من أفكار الآخريين السلبية بيئة خصبة لتنمو معهم ويكون أداة للتنفيذ من حيث لا يعلم، أما القسم الثاني هم الأشخاص الذين يعتقدون أنهم لا يشعرون بوجود خطابات تحث على الحقد والكراهية، بالرغم من غزارة المصطلحات المستخدمة، وهذا النوع نادر جداً بل وفردي، ظناً منهم أن هذه الخطابات لا تستهدفهم، فهم غير معنيين بالأمر.

إن خطر الخطابات التي تكون مشحونة بالحقد والكراهية، تبرز نتائجها السلبية على المجتمع المتلقي لتلك الخطابات، وهذا ما يحقق هدف الذين يمارسون بث الخطابات عبر حسابات تقدر بالملايين على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات النشر والمدونات، الأمر الذي يؤدي إلى كوارث اجتماعية دون الشعور المباشر بالخطر، بعكس الانفجار الذي يسبب الخطر لحظة وقوعه فقط!

وإن الفضاء المفتوح في الإنترنت جعل من المتصفح العربي بيئة خصبة لزراعة الكراهية مهما كانت، وجعل المواطن العربي يتلقى يومياً من حيث لا يعلم، عشرات الرسائل الملغومة بالحقد والكراهية.

كوني مهتماً بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي بمختلفها جعلني أجد أن موقع تويتر يتفوق عن غيره من ناحية تكرار خطابات الحقد والكراهية والشتم والدعوة إلى العنف والتمييز، بل يصل أحياناً إلى الدعوة للانتقام وبنسب عالية جداً، وهذا ما ينذر بتنامي سلاح فتاك داخل الوطن العربي أخطر من القنبلة النووية، اتخذ من المراهقين والأطفال وقوداً له، مما ينذر بنشوء جيل مبني على التفرقة والحقد والكراهية، وليس من السهولة القضاء على هذه الأفكار بالقوة إطلاقاً، بل الفكرة يجب أن تحارب بالفكرة وليس بالقوة.

ومن أهم عوامل الوقوف بوجه خطابات الكراهية هو التركيز على المشتركات بين مختلف الديانات والطوائف والقوميات والأعراق، والابتعاد عن الأمور المعقدة التي اختلف التاريخ عليها منذ أكثر من عدة قرون، كما ويجب الحفاظ على حقوق الإنسان والحقوق الفردية للشخص؛ لأن حرية المعتقد وحرية التعبير مكفولة للجميع دون استثناء.

يتم الحفاظ على حرية الرأي ومواجهة خطابات الحقد والكراهية في آن واحد عندما يتم إشاعة ثقافة الاحتجاج والجدل السلمي، والابتعاد عن الخطابات التي تتخذ من العنف والتمييز منطلقاً لها مهما كانت الآراء متنافرة ومختلفة، فالحوار الفعال والاتصال الذكي يمكن لهما أن يوضحا العديد من المسائل التي أصبحت تشكل ألغاماً موقوتة إن لم تكن بذورها تنمو في جو يساعد على إذكاء هذا النوع الخطير من الخطابات من الأحاسيس السلبية تجاه الآخرين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد