النظام السوري ومعارضته.. وجهان لإجرام واحد! 2/3

لستُ من السذاجة لتجاهل أن المجتمع الدولي له أجندته ومصالحه، لكن أعرف أيضاً أن المجتمع الدولي من مصلحته إزالة نظام الإجرام الذي يقف وراء نشوء داعش وغيرها، وأنه ما كان تصرف بقرار الحرب والهدن والإغاثة لو وجد مدافعين أُصَلاء عن شعبهم!

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/24 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/24 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش

صدق من قال: النظام السوري المجرم محسودٌ على وجود هكذا معارضة، ولهذا يحرص على بقائها، لأنها -ربما- تشبهه، فهي ادعت تمثيل السوريين، ونهبت على أكتافهم مليارات الدولارات، وفشلت في التعبير عن مطلب السوريين الأساسي في الوصول إلى: الحرية والكرامة!

الغريب اللافت، أن بعض هؤلاء المعارضين يظنون أنفسهم في رأس قائمة الملاحَقين من النظام، فتراهم لا يتحركون من مكان إلى آخر دون حراس شخصيين "Bodyguard"، ويروي محررو إحدى الصحف التي تصدر في مدينة أورفا، كيف دخل حراس أحد أعضاء الائتلاف من وزن "خصوة كبيرة"، وفتشوا مكتبه قبل دخوله مكتب الجريدة ليجروا حواراً معه، وبقوا وقوفاً إلى أن انتهى اللقاء، ومثلهم كان وضع حراس سيارته التي توقفت أمام البناء!

يعرف القريبون من اجتماعات الائتلاف السوري، التي تجري فيها انتخابات هيئاته، حدة الصراع بين المجتمعين، خاصة عند تشكيل الهيئة السياسية. الصراع على عضوية هذه الهيئات ليس حرصاً منهم على الوصول إلى مواقع يقدمون فيها طاقاتهم لخدمة الثورة، بل يتصارعون على الراتب الشهري الذي يبلغ في الهيئة السياسية ثلاثة آلاف دولار أميركي.

وما إن يتم انتخابهم حتى يذهب أغلبهم الى بيوتهم. ولم يصدف أن عقدت هذه الهيئة الافتراضية اجتماعاً بكامل أعضائها، ماعدا فترة ما قبل موعد الانتخاب الجديد. بل إن بعض أعضائها يطالبون ببدلات سفر وطعام ومبيت رغم انهم يشاركون في الاجتماعات عن طريق "السكايب" من كندا وفرنسا وألمانيا والسويد وغيرها من عواصم العالم، التي أمنوا فيها لهم ولعائلاتهم وأزلامهم لجوءا مميزاً. وقريب من هذا السلوك، يحرص كثير من أعضاء الائتلاف المقيمين في إسطنبول، حيث يعقد الائتلاف اجتماعاته، على أن تُحجز لهم ولعائلاتهم غرف وأجنحة في الفنادق التي تعقد فيها اجتماعات الهيئة العامة، رغم أن بيوتهم لا تبعد عن هذه الفنادق أكثر من ربع ساعة مشياً على الأقدام!

منذ انطلاقته عمل الائتلاف، وقبله المجلس الوطني، وتالياً هيئة المفاوضات، على تقليد نظام الإجرام في كل سلوكه الإجرامي الذي خبره السوريون عقوداً. وأول خطوة خطتها هذه الهيئات هي عدم الشفافية المالية، فلا سجلات تضبط الصرف، ولا أحد يعرف كم هو مقدار ما دفعته هذه الدولة أو تلك، أو كم يقبض هذا العضو أو ذاك، أو لماذا تصرف المكافآت لهذا العضو وتمنع عن الآخر.

وفي أحد الاستنتاجات تبين أن كلفة الرأس الواحد من أعضاء الائتلاف تبلغ أكثر من عشرة آلاف دولار شهرياً، حين اعترفوا ذات مرة أن الائتلاف صرف نحو ستين مليون دولار مقسمة على ثلاثين شهراً، ويقسم الناتج على عددهم!
عبر هذه الفوضى المالية يتحكم نحو عشرة أعضاء بكل هذه الهيئات التي يتداورون رئاستها باتفاقات غرف مغلقة نتنة، متحكمين بأصوات الأعضاء الآخرين على ما تقره "عصابة العشرة" المتحكمين بعمل الائتلاف، وما أكثر الكتل والتجمعات التي يشكلونها، ويتنقلون بينها بمسميات جديدة.. تارة الكتلة الوطنية، وتارة أخرى الكتلة الديمقراطية، وتارة التجمع الديمقراطي، وعلى سبيل المثال، لقد أحصيت خمس تجمعات تنقلت بينها الست سهير أتاسي، ومثلها عدد التجمعات التي تنقل بينها ميشيل كيلو وآخرون.

أعرف أنه لا يمكن حصر كل الممارسات المشينة لهيئات المعارضة في مقالات محدودة، وأعرف أن أي استعراض لها يظل قاصراً، غير مكتمل. فكيف يمكن حصر أشكال الفساد في معارضة يدير نواب رئيسها عملهم من منازلهم في كندا، و ألمانيا، والسويد، ومن بلاد الواق الواق، ولا يحضرون إلى مقراتهم إلا في بعض المناسبات التي تنتهي بسفرة شحاذة إلى هذه الدولة أو تلك؟!

معارضة يقبض أعضاؤها رواتب، وحين أغلقت بعض الدول "صنابير المال" وصل الأمر إلى أن يتأسى أحد مدمني المعارضة على أنهم يأكلون فلافل، ناسياً أنه هو نفسه كان يتحدث عن أن الوفد الفيتنامي الذي حاور الأميركيين كان يأخذ طعامه معه، وأنه رفض استبدال لباس الحرب الذي يلبسه بأطقم وكرافات، وهذا العضو الديمقراطي نفسه حين ذهب إلى واشنطن في وفد الائتلاف، وكان في باريس، كلف الائتلاف بطاقة طائرة درجة رجال أعمال أتت به من باريس إلى إسطنبول، كي يرافق الوفد إلى واشنطن، وكي لا تذهب عليه دسة ونميمة يجيدها!

معارضة حولت أهداف الثورة من مطلب الحرية والكرامة إلى "كرتونة" زيت ورز ومحارم نسائية وفرشاة أسنان، وهي -في الأصل- من صلب مهام هيئات المجتمع الدولي، ومع ذلك سرقوا وتاجروا بهذه المساعدات، مثلما تلاكم أعضاؤها على مئة ألف دولار أخذها كل واحد من سبعة منهم من أمير سعودي كـ"شرهة = أعطية"، ولم يضعوها في صندوق الائتلاف، وكأن الأمير أعطاهم إعجاباً بقدودهم المياسة أو تاريخهم النضالي!

رغم ملايين الدولارات التي وصلت الائتلاف، فإنه لم يستطع تأسيس مكاتب تهتم بحال السوريين في بلاد الاغتراب، أو مكاتب تسجل أسماء الذين قضوا في "البلمات"، أو تكفل إنجاز سجلات خاصة بالمواليد، أو تأسيس محاكم مدنية بدل المحاكم الشرعية التي ساهمت في إنهاك الثورة، بل لم يخطر لمكاتبهم في الدول الأوروبية، ومنها مكتب قضائي يديره هيثم المالح في بروكسل، وكلف تأسيسه مئات آلاف الدولارات، أن تقوم بالبحث عن مصير عشرة آلاف طفل سوري اعترفت الدول الأوروبية أنها لا تعرف عنهم شيئاً.. ضائعون في أوروبا، ومنهم من خُطف وتم بيع أعضائه!

صفحة فيسبوكية واحدة تديرها طوعياً الفنانة يارا صبري، قدمت لأهالي المعتقلين خدمات بَلْسَمَتْ جراحهم وخففت من هواجسهم، فيما لم يستطع ما يسمى المكتب القانوني في الائتلاف -ورغم ملايين الدولارات التي خصصت له- أن يقدم للعالم وحكوماته قوائم دقيقة عن المعتقلين في سجون نظام الإجرام، وبقي عمله الوحيد إصدار فتاوى وتفسيرات للنظام الداخلي للائتلاف يقال إنها مدفوعة الأجر من قِبَل من تصدر الفتوى لصالحه، وكلنا يذكر فضيحتهم في مؤتمر جنيف 2 عندما لملموا في الساعات الأخيرة قوائم "من قريبو" بأسماء المعتقلين، إلى درجة أنهم استنجدوا بالناس عن طريق صفحاتهم الفيسبوكية لتزويدهم بأسماء المعتقلين!

معارضة تفتح مكاتب تزوير الأوراق الرسمية على مقربة من مكاتبها في عينتاب وإسطنبول، ولا تطلب من السلطات التركية إغلاقها، خاصة وأن هذه الأوراق تضع السوريين لاحقاً أمام مساءلات قانونية في الدول التي هربوا إليها. بل إن كثيراً من مكاتب النصب هذه التي تبيع جوازات السفر المزورة يديرها أعضاء في الائتلاف والحكومة، ويتحدث كثيرون عن نذير الحكيم وأحمد طعمة، اللذين لم يسألهما أحد عن مصير الجوازات التي طبعوها وكلفت الائتلاف ثلاثة ملايين يورو، ولا عن لصاقات التمديد المزورة التي جنوا منها ثروات طائلة!

معارضة لم تستطع حكومتها المؤقتة، التي كان يديرها أحد رموز الفساد، التواصل مع حكومات العالم الصديقة للثورة لتأمين منح دراسية لمئات آلاف الطلاب الذين قطعوا تعليمهم، فيما قام رموز هذه المعارضة بتأمين أفضل قبول بأهم الجامعات لأبنائهم وأبناء جيرانهم.

معارضة لا تجرؤ على عقد اجتماعاتها في الداخل السوري، يوم كانت المناطق المحررة أكثر من سبعين بالمئة من مساحة سورية، بل ولا حتى في المخيمات بين أهلهم وذويهم، ليكونوا على مقربة منهم ويشاركونهم مآسيهم، علماً أن هذه المخيمات لا تبعد أكثر من كيلومترات معدودة عن مكاتبهم المكيفة. وإن حدث وزاروا هذه المخيمات، فإنهم يدخلونها ويخرجون منها كاللصوص بعد أن يلتقطوا صوراً لكرافاتهم وأطقمهم التي اشتروها من أفخم الماركات العالمية!

معارضة لا تستحي هيئة الإغاثة والدعم فيها من الإعلان أن زراعة وحصاد كيلو واحد من القمح كلفتها خمسة آلاف وخمسمائة ليرة سورية (ما يعادل 37 دولاراً يومها)، وهي أغلى من كلفة زراعتها على سطح القمر، ومع ذلك لا تجد صوتاً واحداً يحتج .. "كلو يستر على كلو"!

معارضة يعتقد كبارها أن القضاء على نظام الإجرام لا يحتاج إلى أكثر من مقال ارتزاقي "تحليلي!"، وأن مجرد بيعها الكلام الفارغ من المعنى، والتحليلات "الخرندعية" على محطة فضائية، يكفي لدحر نظام الإجرام، وبناء البيوت التي هدمتها براميله وخراطيمه القاتلة.. و"يا دار ما دخلك شر"!

معارضة لم تستطع تنظيم مظاهرة في عواصم العالم تليق بشهداء الثورة وتوصل صوتنا إلى العالم، وما شهدناه من حضور لبعض هؤلاء المعارضين في بعض المظاهرات في شارع الاستقلال بإسطنبول أمر يندى له الجبين خجلاً، فرغم كل المال الذي صرفوه فإن المظاهرات ووقفات التضامن التي دعوا إليها لم يتجاوز عدد المشاركين فيها العشرات.. لقد سحب الشعب ثقته بهم!

تشترك هذه المعارضة مع النظام المجرم، أنها رهنت القرار السوري الوطني مثلما فعل بشار الأسد المجرم، وأبعدت أي احتمال لاستعادة القرار الوطني، الذي يتباكى عليه برهان غليون وغيره اليوم.

لستُ من السذاجة لتجاهل أن المجتمع الدولي له أجندته ومصالحه، لكن أعرف أيضاً أن المجتمع الدولي من مصلحته إزالة نظام الإجرام الذي يقف وراء نشوء داعش وغيرها، وأنه ما كان تصرف بقرار الحرب والهدن والإغاثة لو وجد مدافعين أُصَلاء عن شعبهم!

بعد كل هذا الفساد، وبعد كل هذه المواقف السياسية الصبيانية، يأتون اليوم ويتحدثون عن تجاهل المجتمع الدولي وتراجع دعمه، ويريدون من العالم أن يقف معهم!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد