من جميل حصاد السفر في أصقاع الأرض التعرف على البشر في معاملاتهم وأخلاقهم ونشاطاتهم بأنواعها وقيمهم الدينية والعادات والسلوك، من ضمن المدن العديدة التي زرتها بحمد الله كانت مدينه ملبورن الأسترالية، وهي بحق مدينة جميلة بما فيها من تنوع في كل المجالات من تجارة، بشر، تضاريس، ومناخ وأنشطة.
تمعنت في السلوك والتعامل لأنه بيت القصيد الذي يخدم الغرض من هذه المقالة، ورأيت مفارقات عدة بالذات من بعض المهاجرين العرب وغير العرب.
صادفت المهاجر أبو زهراء العراقي المسلم الذي يعمل في مطعم السيد حنا العراقي المسيحي، ومن الظريف أن المطعم مكتوب عليه بالخارج "مطعم حلال"، تناولت الحديث مع أبو زهراء، فتبين لي أنه هاجر من العراق منذ أيام الانتفاضة الشعبانية وقد تم ترحيله إلى أستراليا من خلال المنظمات الإنسانية من مخيم الأرطاوية الذي أقيم داخل السعودية آنذاك، كنت أتساءل لماذا يلفظ البلد الأم الاثنين معاً، المسلم والمسيحي، بينما هما متعايشان بسلام ويعملان معاً في بلاد المهجر!
دخلت مكتباً سياحياً بغرض الاستفسار عن قيمة تذاكر الطيران من سيدني إلى غولدن كوست ذهاباً وإياباً، فإذا بي أرى أن المدير المالك للمكتب هندي سيخي المعالم حسب ما يظهر من شعارات ملابسه، حيث العمامة واللكنة، والذي يعمل لديه لخدمة الجمهور امرأتان شقراوان، كلتاهما بيضاء ذات لكنة إنجليزية أسترالية صرفة، فوقفت متسائلاً بيني وبين نفسي هل هذا التعايش بين الموظفتين والمدير ناتج عن حاجة المرأتين للوظيفة وهما في موطنهما الأصلي أم لأن النظام والقانون يحترم ذاك المستثمر الهندي لكونه استثمر ماله وجهده وفتح فرص عمل لأبناء البلد؛، وإكراماً من البلد المضيف أعطي حق الإقامة في ذلك البلد الذي رحب به، فنقل معظم أعماله له!! إذاً لماذا مجتمعه الأصلى أي موطنه طارد له؟ بينما مجتمع متعدد الثقافات والفرص والتعامل بالتساوي استقطبه من آلاف الكيلومترات؟!
كنت في مرفأ اليخوت السياحية بمدينة سيدني الأسترالية في حالة استرخاء، وأتناول وجبة الغداء بصحبة زوجتي، الطعام استجلبناه من مطعم "ال صب وي" وافترشنا مقاعد على ضفاف الممشى البحري الجميل، وكان أشبه بالميدان العام مملوءاً بالبشر من كل أنحاء الدنيا، وكل فئات العمر، استرعى انتباهي مجموعة كبيرة من الأطفال في عمر الـ٤-٥ سنوات من سحنات وجذور مختلفة، وكانت بصحبتهم مشرفات ومشرفون، إحدى المشرفات سوداء اللون إفريقية المعالم، وأحد المشرفين المرافقين أبيض البشرة صيني المعالم؛ أيضا استرعاني الموقف بأن أثار تساؤلاً لدي: تعايش كهذا هل هو ناتج من الحاجة للوظيفة أم قناعات هؤلاء المختلفين في البشرة والفكر والمعتقد منصهرة ليكون الحق للجميع بالعيش الآمن والكريم أكبر من الاختلاف!
نفس الملاحظات رصدتها في دول كثيرة في القارة الأوروبية والشمال الأميركي والبرازيل عن المهاجرين واندماجهم في تلك البلاد.
استمرت تأملاتي كثيراً، ولكن انتقل تفكيري وشجوني للوطن العربي، الوطن الأم لنا نحن ولأبنائنا ومستقبل أجيالنا، فتساءلت:
ما هي مشاريعنا نحن ككيانات شعبية لاحتواء الطيف الاجتماعي بكامل ألوانه؟ مع الأسف، على مدى عقود ناهزت الثلاثة، معظم المنابر الإعلامية والدينية كرست روح التنابز بالألقاب، وهو محظور من الله بنص الخطاب القرآني الكريم، ماذا جنى المجتمع من خطابات الإقصاء والتشرذم سوى خسائر في الأرواح والموارد والأدمغة، لا بل أكثر من ذلك.
أجبت نفسي: إذا كان المجتمع يود أن يرتقي عليه أن يتخطى حواجز عدة، ومن ضمنها ترسية مشاريع "تربوية – إصلاحيه – فكرية – سلوكية" تخدم وحدة الكلمة لكامل المجتمع، ووحدة الصف.
ثم عاودت السؤال: مسؤولية مَن هذه المشاريع؟
جاوبت نفسي: إنه نحن، أفراد المجتمع.
ثم عاودت السؤال لنفسي: ولكن رجال الدين ورجال؟
جاوبت نفسي: لا يمكن أن يكون رجل…. ورجل الدين حجر عثرة في طريق النهوض بمجتمعه في مجالات التربية والإصلاح والفكر والسلوك إلا إذا كان هو متلبساً بلباس الوطنية أو بجلباب الدين، وفي الحقيقة يهدم المجتمع، فحينئذ على المجتمع أن يعرف مَن هو عدوه ومن هو صديقه.
عاودت السؤال: ولكن هذا البرنامج كبير.
فأجبت: بداية الرحلة للتغيير تبدأ بخطوة.
فتساءلت: ولكن الناس لا يسمعون إلا لمن هو من أكابر القوم ورجال الدين المرموقين والقادة الاجتماعيين.
فأجبت: لديك قلم أو فكرة أو عمل تطوعي أو قدرة رياضية أو علمية، فساهم بها.
فتساءلت: هل تعتقد أنك ستنجح؟
وأجبت: النجاح في المشروع ليس الهدف بقدر أن تكون الحركة والحراك والسعي الدؤوب ثم نترك النتائج لاحقاً.
فقلت: تباً لنفسي الموسوسة هلا كتبت ونقلت تجربتي للآخرين علّنا والآخرين نضيف الجميل للمجتمع، ولو بالكلمة لتوحيد الصف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.