التربية عامل مهم في توحيد الاتجاهات الدينية والفكرية والثقافية لدى أفراد المجتمع، كونها ضرورية للتماسك الاجتماعي والوحدة القومية والوطنية، وهي بهذا تساعد على خلق وحدة فكرية تساعدهم على التعامل، وتؤدي إلى ترابطهم الفكري، وتماسكهم الاجتماعي.
لذا فإن الطفل من خلال التنشئة الاجتماعية مع أسرته وغيرها من المؤسسات المناط بها مهمة التنشئة الاجتماعية في المجتمع، يكتسب اللغة، والعادات، والمعاني، والمواقف، والأساليب المرتبطة بإشباع الحاجات والرغبات، كما ينشأ لدى الطفل في هذه العملية القدرة على معرفة بعض مطالبة، ومدى ملاءمتها في توجيه سلوكه.
من هنا نجد مؤسسات كالدولة أو الأسرة أو الطبقات الاجتماعية، مهما كانت تسميتها اليوم، قائمة على صيرورة إعادة تشكيلها، وبناء علاقاتها الجديدة، ولكن من يرصد ثقافة اليوم السائدة يصعب عليه أكثر من أي وقت مضى تصنيف أنماطها حسب التمايز أو الاختلاف الذي يتم رصده في مستوى البيئة الاجتماعية.
لذلك تلجأ بعض مراكز الأبحاث والدراسات والمنتديات الإقليمية والدولية إلى دراسة النظم الاجتماعية للمجتمعات المختلفة، والأدوار التي تقوم بها بين مختلف النظم والأنساق في علاقتها بالبناء الكلي، وذلك للتعرف على مدى التشابك القائم بين النظم والأنساق التي تعمل على تماسك البناء الاجتماعي واستمرار وحدته وكيانه.
ويقصد بالتماسك الاجتماعي من الناحية السيوسيولوجية زيادة العلاقات الموجبة التي تدور في المحيط الداخلي للجماعة، وكلما تشتت هذه العلاقات واتجهت نحو الجماعة الخارجية ضعف التماسك الداخلي، كما يقصد بالتماسك في المنطق صفة الفكر أو البيان الذي تتماسك جميع أجزائه فيما بينها بإحكام.
نتيجة لذلك هنالك من يرى أن انحلال روابط الجماعة في الأسرة أو الجماعات ذات الطابع الأولي، ويزداد انحلال هذه الروابط كلما أصبحت العلاقات الاجتماعية ثانوية أو شخصية بشكل يتزايد مع تزايد الحضر.
على هذا الأساس، نجد عند دراسة "تأثير العولمة على الأسرة وتماسكها الاجتماعي"، قد تنحو باتجاهين رئيسيين هما:
التوازن الاجتماعي ويقصد به نوع من التوازن بين مجموعة من الظواهر المتصلة ببعضها البعض، وقد يكون هذا التوازن ظاهراً أو كامناً، وقد يعترض باعتباره حقيقة موضوعية، أو لمجرد التحليل كما قد يكون إستكاتيكياً أو ديناميكياً، ويميل النسق الاجتماعي عند اضطرابه إلى العودة لحالته السابقة.. أي توازنه، أما الاتجاه الآخر، فيتمثل في عدم الاستقرار الاجتماعي، وهو يعبر عن حالة عدم التوازن بين مختلف وحدات المجتمع كفقدان التكيف أو التوافق بين الوحدات، الأمر الذي يترتب عليه التوتر والصراع.. وما يصاحبهما من كفاح للحصول على المركز والسلطة.
وانطلاقاً من أن الأسرة تعد الوحدة الاجتماعية الأولى التي تهدف إلى المحافظة على النوع الإنساني، وتقوم على المقتضيات التي يرتضيها "العقل الجمعي"، والقواعد التي تقررها المجتمعات المختلفة، باعتبار نظام الأسرة نواة المجتمع؛ لذلك كان أساساً لجميع النظم، فإن التأثيرات الناجمة عن العولمة بأبعادها المختلفة قد تهدف إلى استقرار النظام الاجتماعي، وتوفر التضامن بين أفراده ويقابله التفكك الاجتماعي الذي يشير إلى عدم كفاءة النسق الاجتماعي أو فشله في تحديد مراكز الأفراد وأدوارهم المترابطة بشكل يؤدي إلى بلوغهم أهدافهم بصورة مرضية، مما يؤدي في بعض الأحيان بحسب إميل دوركايم (Emile Durkheim) إلى وجود حالة انهيار البناء الثقافي، وتظهر بصفة خاصة عندما تخل الروابط بين المعايير والأهداف الثقافية، وبين القدرات الاجتماعية عند الأفراد للقيام بسلوك يتسق معها، ولهذا فإن الأنوميا (anomie) هي الحالة المقابلة للتضامن الاجتماعي، فإذا كان التماسك الاجتماعي يشير إلى نوع من التكامل الأيديولوجي فإن الأنوميا هي حالة الفوضى وانعدام الأمن وفقدان المعايير.
وهكذا فإن حالة "الأنوميا" تتجلى أيضاً في ظل التفكك التنظيمي لمؤسسات المجتمع وانهيار المعايير والانفصال عن الأهداف الاجتماعية المعلنة والوسائل الصحيحة لتحقيق هذه الأهداف، والتناقض الفاضح بين ما يشاع من أيديولوجيات رسمية، وبين ما يجري على أرض الواقع، ويشعر المرء سيكولوجياً بالاغتراب والعبثية والانهيار الأخلاقي مما ينعكس سلباً وعزلة وانحرافاً.
علاوة على ما سبق، فإن تلك التأثيرات من شأنها أن تتجه بأن يكون للتغير الاجتماعي دور في صياغة الآثار المترتبة عليها في مختلف المجالات سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، والتي تعبر عنها من خلال مكونات الهوية الثقافية – التي تُعبر عن حالة التغير الاجتماعي في بعض الدول أو المجتمعات، وما قد ينجم عنها من تحولات اجتماعية قد يمكن أن يتم استخدام الطائفية ومنظومتها التقليدية في بناء منظومات جديدة، مما يمثل تغيراً جذرياً في طبيعة الصراع الناجم عن تلك التأثيرات مقارنة بالمراحل السابقة. لدراسة الخيارات المتاحة ما بين الاعتبارات الاستراتيجية والقيم الديمقراطية، كل ذلك من شأنه العمل من أجل مواجهة التحدي الذي يطرحه "التنوع الثقافي" بالنسبة لحوكمة الديمقراطية، من حيث تفهم الحوكمة على أنها "نظام من القيم والسياسات والمؤسسات يدير به مجتمع ما شؤونه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من خلال التفاعل داخل الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص وفي ما بينهم".
لذلك قد نجد أن نهج "الاستعباد الاجتماعي" قد يقابله "النهج التشاركي" كي نصل من خلالهما إلى "حوكمة الديمقراطية"، في مسارات قد تبدو بأنها قد تكرس "للاستلاب الثقافي"، في محاولة لإيجاد أفكار اجتماعية ذات صلة بـ"ثقافة الفقر"، وتتجاوز حدود المعرفة لإدراك القيم المتأصلة في جذور التوجهات الرامية إلى التعامل مع المتغيرات لمواجهة تحديات "الاستيطان الفكري" ماثلاً في هذه المفاهيم "التعددية"، التي تعني، في هذا السياق، تشظي التقاليد التي كانت قبل ذلك موحدة، والمعتقدات والقيم المشتقة منها، وأن للتعددية مصادر كثيرة، وتتضمن التنوع والتفكك الاجتماعي، وازدياد الوعي السياسي، بين الجماعات التي كانت مهمَّشة، والشك الفلسفي إزاء كلية المعرفة والقيم!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.