يقول أستاذ الأخلاق السياسية محمد بن مختار الشنقيطي: "يجب علينا أن نكتب تاريخنا بالحبر الأسود لا الأحمر".. بتنا لا نستغرب عندما لا نجد إحصائيات دقيقة عن القتلى والجرحى، فالقنوات الفضائية تزف البشرى بما تهوى، ومنظمات حقوق الإنسان ترفع وتخفض الأرقام كما تشاء، والرعب يسود الأجواء في كل بيت عراقي نتيجة صفقات فاسدة بين الكتل السياسية التي تلعب أشواطها الإضافية في ملعب البرلمان.
ما يثير الاشمئزاز تبريرات رئيس الوزراء حيدر العبادي بالتدخل الدولي مانحاً الحق العذري لإيران تحت رعاية أميركا بالتغلغل إلى أعماق الكيان العراقي دون قيود، أما وعوده المتكررة بإصلاح الوضع الأمني الساخن بإقالة بعض السياسيين المنحرفين، مروراً بخططه التقشفية الفاشلة التي لا تزيد الوضع إلا تدهوراً، والعلاقات المضطربة بين إقليم كردستان بشأن النفط والمناطق المتنازع عليها.. كثرت التصريحات من سيادة رئيس الوزراء بعد انقضاء أكثر من (3) سنوات من حكمه، فقد وصلت إلى مرحلة ما يسمى بـ"التحشيش"، وسط استهجان جماهيري صار يرفض الألاعيب الدبلوماسية.
بالعودة إلى بطل الملفات الغامضة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وفي بعض الأحيان يتحول إلى "الهالكي"، إذا تطلب الأمر، فتاريخه ناصع بالإنجازات التخريبية للإنسان والعمران، وفي عهده تكدست السجون بالمعتقلين المجبرين بالاعتراف بقضايا جنائية وإرهابية لم يقترفوها، والخزينة المالية حققت عجزاً مخيفاً وصل إلى (25,000,000,000 $)، وفضله الكبير في تقطيع العلاقات الثنائية بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، وهذه التراكمات نتجت الصدمات المجتمعية الحالية.
تنظيم داعش تلك القوة المسيطرة على المدن السنية منذ منتصف عام (2014) تزداد شدةً يوما ً تلو الآخر فتحرم أمل العودة إلى الديار، وتبطش بالإنسان وتضعه في خانة المنسيين دونما رحمة بعيداً عن فرضه قوانين حجبت الأهالي المحاصرين عن العالم، ليتنفس العراقيون الموت البطيء وسط صمت دولي متخاذل؛ ليستمر المشهد التراجيدي بتحركات الحشد الشعبي، فالأخير يدخل الأراضي السنية بمهمة الإنقاذ ويخرج منها هادراً للدماء ومخرباً للمساكن والدور العلمية، منفذاً بحماقاته عمليات حرق للمساجد.. هل يعقل أن تحرق بيوت الله، وتسفك دماء عباده المكرمين؟
ذهابا ً إلى قضية النازحين البالغ عددهم، حسب دراسات منظمة الهجرة العالمية، أكثر من (736,206,3) عراقي، قد أصيب بملل الانتظار في ظل تقصير حكومي لا يحترم حقوق المواطنة، فيتنازل عن الخدمة الإنسانية إذ يرمي بأبنائه في الخيم الشحيحة والهياكل المحطمة، والجدير بالذكر خطورة الأجيال القادمة التي أصابها الانقطاع عن التعليم بسبب التهجير والجوع، فسيكون وضعهم مثيراً للاقتتال العرقي خالقاً فجوة اجتماعية وعلمية عميقة.
إن ألم الواقع المرير وفشل المؤسسات الأمنية بحماية العراقيين، والفوضى السياسية العارمة في الحكومة، وقلق الإفلاس الوطني في الملفات الاقتصادية، يهز أركان الدولة، فيعزز الانقسامات المجتمعية، ويضيع الآمال المسكينة بأن تفرح بإدراج الأهوار في لائحة التراث العالمي، وتنكر ضرورة إدراج الإنسان العراقي في لائحة حقوق الإنسان؛ لأنه ببساطة يهاجر إلى مرحلة الانقراضي الأبدي، وهذا واضح بالأرقام الهائلة التي نشاهدها والمتمثلة بالقتلى وهجرة الشباب؛ لذلك يجب إعداد كوادر سياسية شبابية تقود البلاد إلى ضفة أخف الأضرار، مدعومة بأدوات إعلامية معتدلة تسرد الأحداث بحقائقها المجردة دون تشويه، وصولا ً إلى تبني مشروع تثقيف المجتمع العراقي على حساسية الوضع الراهن المثير للشفقة برصد المجازر وتلاحم الشخصيات الجديدة المؤثرة في بناء العراق الذي فقد مستوى الإصلاح، ثم الاتفاق فيما بعد على البرامج والحصص التي لا نستطيع تنبؤها بسبب التشابكات الخلافية.
يعيش العراق منذ عام (2003) في منظومة واسعة من الإخفاقات السياسية المتكررة، حيث التناحرات والنزاعات المنتشرة في جميع أجزاء البلاد، مسببة ً حالة ً من القلق المجتمعي والاقتصادي والنفسي للمواطن العراقي الذي لا ينفك يتنفس بهدوء ليوم واحد حتى تصفعه سنين مدججة بالانكسارات، السؤال الجوهري الملغم بالمفاجآت "متى ستنفذ الوعود؟" يوجه إلى رئيس الوزراء العبادي، وهنا لا بُد أن نقدم ملاحظة للدول العربية بأن لا يتعجلوا "حاصودة الأرواح" فالأيام القادمة ستزيد نسبة الأموات… وإلى ذلك الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع أمانته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.