تركيا بين الحسم والتعسف في استخدام الحق

النظام الحاكم والشرعي لا بد أنه سيستثمر الأحداث لحصد مزيد من التأييد من كل طوائف الشعب ويزيح الانقلابيين وجذور الدولة العميقة، وهي عملية جراحية دقيقة عليه أن يفرق فيها بوضوح بين المعارض الشريف والمنافس تحت مظلة الأطر والمسارات الشرعية، وبين المتآمر على البلد والشعب، الذي يحلم بالعودة إلى تركيا العسكر من جديد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/21 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/21 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش

لا أدعي أنني خبير في الشأن التركي، ولكني متابع جيد.. والأحداث الأخيرة بتفاصيلها -بعد التقاط الأنفاس- قد أثارت العديد من القضايا، لا سيما أمام المهتمين بالتغيير من العرب، أو أصحاب المعاناة الحقيقية بتجربة الربيع العربي ومن لا يزالون في قلب تأثيراته ونتائجه.

محاولة انقلاب عسكري لا تحمل شبهة الحراك الشعبي كما تلبس الوضع في مصر مثلاً.
دولة تنمو بقوة وتؤثر في حسابات ومعادلات المنطقة وليست تجربة وليدة أو طارئة.

حكومة منتخبة، ونظام ورئيس يقرر الأتراك وحدهم دعمه وبقاءه.

مؤسسة عسكرية تناصب النظام الديمقراطي العداء إلا إذا أتى بمن ترضى عنه، وحقق رغباتها، وواقع إقليمي متأزم بل متفجر ينذر بمزيد من الاضطراب والانهيار بل الخراب كل لحظة، وخرائط ترسم للعالم من جديد، وقوى عالمية تبحث عن عدو محتمل تصارعه كل يوم.

ملايين اللاجئين، حدود استراتيجية مهددة، ضغوط داخلية من أطراف بعضها قد يتحالف مع الشيطان لأجل الإطاحة بالخصوم.
حركة موازية منظمة ومتغلغلة في الواقع المدني والعسكري على السواء في تركيا تدار من الخارج.

يتمكن النظام من إفشال محاولة الانقلاب العسكري -الذي يتوهم من يظن أنه حركة محدودة، فإذا بأصوات تتعالى متأثرة بحماسة الأحداث، وانقلاب الانقلاب، فنسمع في هديرها نداء بكل قوة "افرم يا أردوغان" و"الإعدام للخونة" و"التطهير التطهير"!

وعلى الطرف الآخر أصوات مبالغة في الهلع من أي إجراء سيتخذه النظام الحاكم في تركيا، وتستبق كل شيء محاولة تكبيل يد متخذ القرار وصانعيه من خطوات تحفظ لتركيا استقرارها ومكتسبات الديمقراطية فيها، وتُنحي كابوس هيمنة العسكر على البلاد من جديد.

يذهب الطرف الأول إلى أبعد نقطة تبلغها أشواقه وطموحاته التي ربما تمناها في بلاده ولم ينَلها، والطرف الآخر يجلس على كرسي الحكمة المطلقة ويُنظِّر خارج إطار الواقع، وكأنه يستدعي أيضاً إخفاقاته وما بنى من تصورات حالمة ليتحدث بعيداً عن شراسة المعركة، أو تعقيدات السياسة، وربما تجهّز للحظة يقول فيها "ألم أقل لكم؟!"، وخلاصة ما أريد التأكيد عليه:

الشأن التركي يقرر وجه المصلحة وصواب الاختيار فيه الأتراك وحدهم، فهم أصحاب تجربة أعمق وأقوى من كل المتحمسين من الطرفين، فضلاً عن السماع لمن فشل في تجربته أصلاً!

الشعب التركي -بعد تجارب حكم العسكر سافرا أو من وراء خادميه- سيكون أقوى بهذه التجربة المؤلمة.

النظام الحاكم والشرعي لا بد أنه سيستثمر الأحداث لحصد مزيد من التأييد من كل طوائف الشعب ويزيح الانقلابيين وجذور الدولة العميقة، وهي عملية جراحية دقيقة عليه أن يفرق فيها بوضوح بين المعارض الشريف والمنافس تحت مظلة الأطر والمسارات الشرعية، وبين المتآمر على البلد والشعب، الذي يحلم بالعودة إلى تركيا العسكر من جديد.

وأخيراً العدالة والشفافية في محاسبة الخونة، والحفاظ على مؤسسات الدولة التركية.

علامات:
تحميل المزيد