إن الحرب لم تعد كسالف عهدها بالطائرات والدبابات والمدرعات، إنما الغرب أعلنوا فنوناً جديدة للحرب هي حرب الفكر والثقافة حرب التلاعب في النبت الفكري… فاليوم ترى نتاج ثمانين عاماً من الإعلانات والأفلام والأغاني والرسوم المتحركة أيضاً، فتلك الحرب لم تقتصر على الاحتلال العقلي والفكري، بل استطاعت زرع أفكار أغالبها منافٍ لأفكار وتقاليد المجتمع الشرقي، إضافة إلى ترسيخ جذور تلك الثقافة، والتأكيد على أنها أساس التحرر، وهي السبيل إلى الخلاص من قيود التخلف الشرقي، كما يدعي البعض.. ولا ننسَ برامج المواهب التي باتت كالجراد تفشت، فعساها اقتربت من القضاء على الأخضر كله الذي يمثل المبادئ والتعاليم الدينية، أما عن اليابس الذي يمثل الاعتقاد أن التحرر له علاقة بالتعري الجسدي.. نعم التعري الجسدي الناتج عن التعري الفكري، فظن بعض الذين يعيشون في المجتمع الشرقي أنه مجتمع منغلق على نفسه، وأن كل ما يدعو للحفاظ على الإنسانية هو نوع من التشدد والجمود الفكري.
فالأفلام يا سيدي الفاضل أصبح أغلبها يتفق مع فكرة الراقصة المنحرفة أخلاقياً والبلطجي الذي لا يخشى القانون، وتاجر المخدرات الذي يساعده رجال القانون والأمن في الهروب من العدالة، وأما عن الرمز الديني فإما شيخ متشدد يصور رجل الدين بأنه منغلق الفكر ويدعو إلى سبيل الله بالسلاح وإراقة الدماء، أو الشيخ الذي يصدر الفتاوى مقابل المال ويرسمها كما يليق بالواقع الذي يوده صاحبه.
والمسلسلات أصبحت ذات مضمون مقارب لبعضها البعض، فإما عن قصص الحب الفاشلة التي تنتهي بانتحار البطلة وسفر البطل، وإما الدعوة لفكرة بيع نفسك ومبادئك للوصول إلى ما تريد.. وإما الزوجة الخائنة التي تكتشف بعد مرور سنين من العشرة الزوجية أنها لا تحب زوجها، وأنها لا تطيق العيش معه، وأن عشيقها هو الأفضل، أو الترويج لفكرة الرجل الدنجوان المغناطيس الجاذب للنساء والوصول لهن بأسهل الطرق لممارسة الفواحش معهن.. أو الترويج لفكرة أن المحجبة والمنتقبة ذات عقل متأخر، وامرأة بلهاء تساير رجلها كـ"أمينة وسي السيد".
فأين أنت من خُلق الفنانة المتحررة التي تتعب في عملها وتجتهد بكل الصدق والضمير دون أن تمس ما يخالف التقاليد الخاصة بعائلتها، فتتأخر في عملها ثم تعود لبيتها وزوجها عند منتصف الليل إن لم يكن عند شروق الشمس، وهذا بموافقة الزوج والأسرة الكريمة تحت مسمى الفن وادعاء الحرية؟!
وكما قال توفيق الدقن: "دي رقاصة محترمة جداً من البيت للكباريه ومن الكباريه للبيت"، هذا هو الانفتاح العقلي والتحرر، وهذا هو مقياسه اليوم.
فبالتالي أي ثقافة وأي مجتمع مثقف ذي خلق تحدثني؟.. وأي صورة ذهنية تصدرها للشعوب الأخرى؟ وكيف لك أن تطلب الاحترام وأنت تصدر لهم تلك الأعمال متدنية الفكر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.