كان ذاك المساء ليلة السبت ليلة عطلتي الأسبوعية التي قررت قضاءها مع أصدقائي في مدينة ألانيا توجهت نحو محطة الحافلات ركبت الحافلة وسارت بنا وإذ برئيسي يتصل في تلك اللحظة لم أكن على علم بأي شيء سوى سماعي لأصوات بعض الطائرات تزأر في هدوء الليل طلب مني رئيسي الحضور فطلبت منه التأجيل لليوم التالي وسرنا وبدأت أستمع إلى همسات ولمزات ممن كانوا معي في الحافلة عن انقلاب ومحاولة اغتيال فكرت في تلك اللحظة كم أنا أناني ؟
أيعقل أن أتابع رحلتي ورئيسي في خطر ؟ كيف تطيب لي الإجازة ووطني على شفا حفرة ؟
صرخت دون وعي وقلت توقف توقف توقف بدأ الجميع ينظر نحوي متسائلا ماذا حصل لك ؟ قلت للسائق أنزلني هنا فالواجب يناديني ، ودهش الجميع توجهت نوحهم وقد كنت أسمع فقدانهم للأمل وخيبة ظنهم وقلت : "أنا موظف في القصر الجمهوري وأعدكم بأنكم سترون ماسيحصل " . في تلك اللحظة لم أكن اعلم هل سأصل إلى عملي أم لا ؟ هل ستسطيع الدولة القضاء على الانقلاب أم لا ؟ لكنني قلت وكفى .
وقفت أنتظر عابر سبيل يعيدني نحو المدينة أوقفت أحد المارين وأنا على وجل ، أتراه يكون فتحيا ؟ أم يكون طيبجيا ؟ تجنبت الحديث وتعمدت أن أنزل عند مفترق الطرق كيلا يعلم وجهتي نزلت من السيارة وسرت على الأقدام نحو القصر الرئاسي واعترضتني حواجز التفتيش كنت لا أعلم شيئا عن أولئك الذين يفتشونني كل ما كنت أخشاه أن يعترضني حاجز للانقلابيين فأكون صيدا ثمينا بالنسبة له قبل أن أصل للمدخل نبهني أحد عناصر الحاجز إلى تجنب البوابة رقم اثنين لتمركز الانقلابيين عندها كان أزيز الرصاص لا يفارق مسمعي وكنت أرى بريق الطلقات ملتمعا في ظلمات الليل ولا شيء يخطر في بالي سوى لطف الله بي وتأجيلي للنزول من الحافلة فلو أني نزلت قبل أن تسير الحافلة لكنت مضطرا للقدوم من تلك البوابة ، ظلام في ظلام كانت أنوار القصر مطفأة تماما غرفة التفتيش كانت خالية من العناصر ركضت باتجاه المبنى صعدت الدرجات في ثوان كانت أشبه بسنوات ،أمسك بي أحدهم بدأت أتمتم بالشهادة طلب مني هويتي من هو يا ترى ؟ بدأت الأفكار في ذهني تشت وتشت ؟
اتصل بأصحابه وتمتم معهم كل ما فهمته هو أنه من الشرطة وأنه تلقى أوامرا بالتصرف معي فيما لو كنت انقلابيا ، هدأت نفسي حينئذ وازدادت قوتي لقد اطمأننت الآن إلى أن الانقلابيين لم يصلوا للقصر أعطيته الهوية وأعطيته هوية العمل لم يكن ذلك كافيا ليثق بي فلربما كنت خائنا سأل رئيسه عما يفعل بي طلب منه مرافقتي فجلس معي تارة ضاحكا وتارة خائفا متوجسا موجها فوهة بندقيته الطويلة نحوي شعرت أنني في يوم الحساب كنت أعمل على ضوء جهازي اللوحي أمنع قرصنة المواقع الرئاسية وأشدد من حمايتها وسريتها لم تشفع لي معرفتي بكل كلمات السر والشيفرات الرسمية عند ذاك الحارس الذي قيدني بنظراته لم يكن واثقا بي ولا بأحد وله في ذلك كل الحق فحتى بطاقة عملي خانتني تلك اللحظة ولم يرها جهاز الدخول لم تكن عيناي تصدق ما ترى أأنا في حلم أم حقيقة ؟ كان عنصر الشرطة يودع أصدقاءه ويطلب منهم مسامحته لو استشهد وكانوا يصنعون العكس ، كان الإناء ممتلئا وفاض ، فاض بصوت قنبلة هزت أرجاء المكان جعلتني والأرض قطعة واحدة هنا رق قلب ذاك الإنسان الجلف يبدو أنه شعر أننا معا تحت خطر واحد وكررت الصدمة وها هي قنبلة أخرى مصحوبة برصاص طائش يملأ أزيزه المكان ،هربنا خارج الغرفة عندما رأينا المسلحين قد ارتفعت بنادقهم نحو الأعلى وجاءني سؤال صاعق رجل الشرطة يسألني عما إذا كنت أستطيع أن أستخدم المسدس ؟
لم أكن أدري ما أقول فلم يسبق لي في يوم من الأيام أن استعملت هذه الوحوش أو وجهتها لأحد ، كان صمتي كفيلا بأن يعلم بأني لا أعرف ، وهنا جاء المنقذ ، وأي منقذ ؟ لقد شعرت في تلك اللحظة بالإشفاق على من جاء لإنقاذي رئيسي الذي أطلقت النار على سيارته فاصفر وجهه وشحب لونه ووصل نحوي متخطيا كل المخاطر ، هنا شعر ذاك الشخص بالاطمئنان لم يكن المنقذ رئيسي فقط بل كان هناك منقذ آخر إنه الشعب الذي وصل نحو بوابات القصر ليستعيد رجال الأمن ثقتهم بأنفسهم وبالشعب وينزلوا نحو الميدان بقوة .
اصطحبني رئيسي إلى غرفة إدارة العمليات كنت قد وضعت جهازي اللوحي بين يدي جيدا ، هذا هو أغلى ما لدي هنا تكمن أسرار هذا المبنى سأموت دونه ولن أسمح لأحد أن يستولي عليه ، في غرفة العمليات كنت الموظف الوحيد بين الرؤساء كلهم كانوا رؤساء أقسام وذوي مراتب عليا كنت أعمل وأعمل وأنا على يقين بأني أجاهد في سبيل الله بالدفاع عن أسرار أمتي ، كانت تلك الغرفة تركيا بالحجم الصغير كنت أرى من خلال الشاشات الشعب في الشارع والطيران في السماء والدبابات تقتحم ومبنى الإذاعة يسترجع والحرائق تلتهم مبنى المخابرات ، أصعب ما واجهته في تلك الليلة هو النعاس الذي أكل عيوني كنت أغط لدقائق لأصحو على صوت مدير أو رئيس وكم كان ذلك مخجلا كانوا يعاملونني كابنهم الصغير وكانوا يطلبون مني أن أرتاح وأنام قليلا وكان ذاك يزيد من خجلي .
الوزارة الداخلية في المنزل كانت تظن أني قد صرت في ألانيا وتتصل بي لأطمئنها عني وهي لا تدري أين أنا ؟ كنت أرسل لها صوري وأنا مبتسم بينما كان الخوف يمزق أحشائي وهي تصدق ، بعد خمسة وعشرين ساعة عمل متواصلة خرجت من القصر لأرى جموع الناس تهتف بسم الله ، يا الله ، الله أكبر ، شعرت بلذة النصر كنت مبتهجا بشكل مختلف كيف لا وأنا شريك في صنع هذه الابتسامة التي أراها في هذه العيون الطاهرة .
ما عشته وما قدمته اقل القليل في سبيل الديمقراطية التي نحياها لكني لن أنسى لحظة من لحظات هذه المغامرة ما حييت .
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.