التقيت باثنين من الأصدقاء، كان أحدهما يستعد للهجرة إلى كندا بعد ثلاثة أعوام من المعاملات الورقية والتردد على السفارة الكندية ومكاتب الهجرة والتأشيرات، وكان هذا الصديق يسعى للهجرة من قبل ثورة الخامس والعشريين من يناير/كانون الثاني، وقد عدل عن فكرة الهجرة بعد الثورة، ولكن بعد أحداث الثالث من يوليو/تموز وما تبعها قرر أن يترك مصر نهائياً أو كما يقول (مش قاعد في البلد حتى لو بقى عمر بن الخطاب رئيس الجمهورية).
وكان على الطرف الآخر صديقنا الثاني الذي لم يكن يبدي حتى قبول لفكرة الهجرة، وأن أقصى سفر من الممكن أن يقوم به هو أن يتجه لإحدى دول الخليج العربي إذا استطاع الحصول على عقد عمل مميز، وذلك لمدة محدودة ثم يعود لمصر ليكمل حياته، أما الهجرة الكاملة لإحدى الدول الغربية فكان يرفضها نهائياً، وعلى حد قوله (أنا معايا فلوس وشغلي ماشي وماليش في السياسة أسيب بلدي وأتغرب ليه؟!).
عند الحديث عن موضوع الهجرة كانت دفة الحديث تتجه إلى أن أسباب الهجرة الأساسية هي البحث عن حياة أفضل ودخل مادي أعلى، أو السبب الآخر الاختلاف مع النظام السياسي القائم، والتخوف من القمع والاعتقال، إذا لم تكن تمتلك تلك المشكلات تقل دوافعك للهجرة.
(أنا باستثمر في الهجرة)، كان المعنى الذي طرأ على ذهني عند سماع تلك الجملة أن صديقي المهاجر ينوي استثمار أمواله أو عنده فكرة يريد العمل عليها في كندا، ولكن صديقي أوضح أن ما فهمته ليس ما يعنيه هو بجملته، فما يعنيه أن سفره للخارج وتركه لمصر في حد ذاته بغض النظر عن عمله يعد استثماراً في حد ذاته.
تعجبت من تلك الجملة، ولكن بعد النقاش مع صديقي تبين أنه بسفره إلى كندا وسعيه للحصول على الجنسية الكندية سوف تتوافر له امتيازات عظيمة.
التأمين الصحي الشامل لكل مواطن بدون أي حواجز مالية أو أي تحيز على أساس الدخل أو العمر أو الوضع الصحي، وإذا أراد شخص الحصول على تأمين مشابه لذلك في مصر، إن وجد، سوف يتكلف آلاف الدولارات، ولن يكون بنفس المستوى، وكما يقول صديقي (شُفت حد بييجي من أوروبا ولا أميركا يعمل عملية في مصر)، ذلك التأمين الصحي سوف ينعكس على نفقاته وحياته وعلاجه لأولاده.
بالانتقال للحديث عن التعليم، قال صديقي بضحكة ساخرة (مش هتكلم عن التعليم في مصر… سلم لي على شاومينج)، فالتعليم في مصر المصنف 139 عالمياً من أصل 140 دولة، كما أن تكلفة التعليم الخاص في مصر مكلفة جداً، سواء في المراحل الأساسية أو المرحلة الجامعية، فتكلفة إحدى المدارس الدولية أو اللغات في مصر تعد ميزانية تقع على عاتق الأسرة التي تسعى إلى مستوى تعليمي جيد لأبنائها، وحتى المدارس الحكومية تجد تكلفة الدروس الخصوصية فيها مكلفة للأسر المتوسطة في مصر، أما التعليم الجامعي الخاص في مصر فهو مكلف، ولا يرتقي للمستوى الغربي تحت أي بند.
بالحديث عن الامتيازات التي تحصل عليها بحصولك على الباسبور الكندي وكم الدول التي تستطيع الدخول إليها بدون الحصول على تأشيرة، وسهولة الانتقال والحركة عالمياً، وبالإضافة إلى انخفاض تكاليف السفر والطيران إذا ما تمت مقارنتها بالباسبور المصري فلا يوجد وجه للمقارنة على الإطلاق، وكان تعليق صديقي (تعرف إن الحج السياحي من كندا أرخص من الحج من مصر).
إن كنت تبحث عن السفر فلا بد من أخذ اقتصاد الدولة التي تسعى للهجرة لها في الحسبان، فالاقتصاد يكون أول ما ينعكس على الحياة، فكندا تحتل المركز العاشر عالمياً في الاقتصاد العالمي طبقاً لحجم الناتج المحلي.
وتتذيل مصر قائمة الدول الأكثر عجزاً للميزانية عالمياً بترتيب 142 من أصل 144 دولة، بالإضافة إلى أن مصر ترتيبها 112 في استقرار سوق العمل من أصل 189 دولة.
وحينما تحدثت مع صديقي عن الأمن نظر إليّ بنظرة تعجب من سؤالي عن الوضع الأمني المصري، وقال (الطيارة الروسية اللي انفجرت والسياح المكسيكيين الجيش ضربهم بالنار.. انت بتتكلم إزاي يا جدع!!) فمصر ترتيبها 140 في الأمن العام، بينما كندا ترتيبها 33 في نفس الترتيب.
بالحديث عن جودة الحياة فقد آثرنا أنا وصديقي عدم الحديث في هذا الموضوع، فنحن أصلاً خارج ذلك التصنيف المكون من 69 دولة.
في النهاية أنا لا أدعو الناس للهجرة لكندا أو لغيرها، ولكن الحال القائم في مصر والوضع الأمني والاجتماعي والسياسي وحتي معدلات التلوث تجعلنا نتساءل هل كوننا مصريين ونحب بلدنا ونرى فيها (أم الدنيا) ونتطلع إليها أن تكون (قد الدنيا) ونرى فيها ذكرياتنا وماضينا، هل كل ذلك يجعلنا نتغافل عن كم السلبيات والفساد المتفشي في جسدها؟
وهل يكمن الحل في الهجرة منها أم الحل في محاولة إصلاحها التي قد تبدو من رابع المستحيلات بواقع التجربة.
نعم لن تكون الهجرة وتأسيس حياة من البداية والتأقلم مع المجتمع الجديد أمراً سهلاً وبسيطاً بل سوف تكون أمر شاقاً لكن ألا يستحق المشقة.
لا أجد حلولاً أفضل لكي يعيش المرء حياة أفضل في بلد كمصر إلا بالهجرة خارجها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.