كان ثلاثي تفجير ثورات الربيع العربي، هو (كاميرا موبايل + جهاز كمبيوتر + إنترنت)، وبواسطتها نجح النشطاء (المواطن الصحفي) في فضح انتهاكات الشرطة والفساد، وأدارت المعارك مع أنظمة ما قبل الربيع العربي، ولكن الجديد في تجربة تركيا هو أن هذا الثلاثي نجح أيضاً في إحباط الانقلاب ضد "الربيع التركي"، مع أنه لم يستطِع أن يفعل هذا في العالم العربي.
وكان المسجد أيضاً هو مسرح انطلاق المظاهرات في ثورات الربيع العربي، ومن عشرات المساجد في مصر وتونس انطلقت المظاهرات التي أسقطت أنظمة، وهذه المرة نجح المسجد والأذان والتكبيرات، الذي صدع به أئمة المساجد في الميكروفونات في حشد الأتراك لوأد الانقلاب على ربيعهم الديمقراطي.
المعتاد في أي انقلاب عسكري كلاسيكي أن يسارع الانقلابيون للسيطرة على التلفزيون الحكومي، كأول الأهداف، ليعلنوا منه بيانهم الأول بالاستيلاء على الحكم، ويقطعوا تواصل السلطة القائمة مع شعبها، ولهذا تمعن الأنظمة القمعية خصوصاً في حماية مباني التلفزيون بقوات كثيفة.
وعندما تحرك انقلابيو تركيا للاستيلاء على الحكم، ساروا علي نفس النهج الكلاسيكي التقليدي القديم، فما كان من الرئيس التركي أردوغان إلا أن سجل كلمة على موبايله (الآيفون) وبعث بها لمحطة تلفزيون تركية أخرى، يدعو شعبه للنزول للتصدي للانقلابيين، ما أربكهم، وكان أول مسمار في نعش انقلابهم الفاشل.
الفضل يرجع بلا شك لوسائل التكنولوجيا الحديثة، كالموبايل والكاميرا والإنترنت التي أثبتت قدرتها على صنع "المواطن الصحفي" الذي يغطي الأحداث وينقل بأسرع من الصحف والفضائيات ما يراه ويسجله بكاميراته، وأثبتت في الحالة التركية أنها قادرة على إنقاذ الأنظمة الحاكمة من السقوط إذا ما تعرضت لأزمات.
فقد أرخت التجربة التركية في إسقاط الانقلاب لما يمكن أن نسميه إنهاء عصر نجاح الانقلاب بمجرد السيطرة على مبنى الإعلام الرسمي للدولة، وأثبتت هذه التكنولوجيا الحديثة أن السيطرة على مباني التلفزيونات بالدبابات لا قيمة لها، وأنه يمكن للحاكم الديمقراطي أن يتواصل مع شعبه بسهولة ويحارب الانقلابيون بسلاح الإعلام الافتراضي.
ولا أظن أن الرئيس التركي ونظامه سينسى هذا الفضل للتكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل التي بفضلها نجح هو وأنصاره وقادة حزبه ومحافظوه في التواصل مع الشعب ودفعه للخروج للشوارع للحفاظ على التجربة الديمقراطية عبر حساباتهم على فيسبوك وتويتر، ما سيدفعه لإعادة النظر في هجومه السابق على مواقع التواصل التي باتت سلاحاً ذا حدين، ضده ومعه، والأفضل تركها بحرية والمراهنة على الديمقراطية.
فأردوغان سبق أن هاجم وسائل التواصل ووصفها بالوسائل المظلمة التي تسعى للنيل من بلاده، لكن تلك التكنولوجيا هي من ساعدته في إخراج مؤيديه للشوارع.
فالرئيس التركي بعث برسالة فيديو مصورة له عبر كاميرا الموبايل الخاص به، عبر (فيس تايم) إلى قناة (سي إن إن تركيا)، وما إن بثتها حتى دب الحماس في نفوس مؤيديه للنزول، وكبح وحدات من الجيش التي حاولت الانقلاب على نظام حكمه.
وما إن سمع الأتراك رسالته بالنزول للشارع لمواجهة الانقلاب، حتى امتلأت بهم الشوارع وبدأوا يصطدمون مع جنود الانقلاب ثم يعتقلونهم، وأجهضوا الانقلاب بفضل كاميرا الموبايل التي وقفت أمام الدبابة.
أيضا كان رفع مساجد في إسطنبول الأذان للصلاة قبل ساعات من موعد صلاة الفجر، والتكبيرات عبر مساجد أخرى، أشبه بنداء للثورة ضد الانقلاب، فقد أخذت المساجد ترفع الأذان، وتدعو الناس للنزول، وفعلاً تدفقت حشود من المتظاهرين إلى مطار أتاتورك، وسط تكبيرات المساجد، ونجحوا في استعادة السيطرة على مطار أتاتورك وطرد الانقلابيين منه.
وقد أشار لهذا الكاتب البريطاني "ديفيد هيرست" في مقاله "كيف هزم الآيفون الدبابات في تركيا؟"، مشيراً إلى أن لجوء الرئيس التركي إلى هاتفه المحمول (الآيفون)، ولجوء المساجد إلى سماعاتها التي انطلق منها صوت التكبير قبل ساعات من طلوع الفجر، أحبطا الانقلاب.
وتابع: "جاءت نقطة التحول في أحداث تركيا عندما بثت صور أردوغان وهو يتكلم عبر هاتفه الآيفون ثم انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم"، وأثبتت تركيا أنها ليست مصر.
لم تعد الإنترنت مجرد جهاز للتصفح وقراءة الأخبار والمعلومات، فمن خلالها أصبح خلق الأخبار والعمل كوكالة أنباء مستقلة ممكناً لكل مواطن يمتلك (كاميرا موبايل + جهاز كمبيوتر + إنترنت)، وأن يضع فيديو للحدث على موقع يوتيوب أو تويتر أو غيرهما، وينهي الرقابة الحكومية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.