حتى لا ينجح الانقلاب الفاشل في تركيا

فيما يخص الشأن التركي، فإن هذه المحاولة للانقلاب لم تكن الأولى، وفي كل مرة كانت الحكومة التركية تقوم بردة فعل تطهيرية محدودة، تبين الآن أنها لم تكن كافية لردع محاولات أخرى؛ لذلك مع محاولة الانقلاب هذه ومع حجم المتورطين فيها ومدى خطورتها ونجاحها الوشيك ثم التواطؤ الإقليمي والدولي الذي تعددت مؤشراته يجعل ردة الفعل العنيفة هذه المرة ليست مجرد "شهوة انتقام" أو "افتراء" ولكن محاولة للقضاء على خطر حقيقي

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/19 الساعة 06:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/19 الساعة 06:54 بتوقيت غرينتش

نعم لست معجباً بالنزعة السلطوية المتنامية لأردوغان، ولا بتحوله نحو تبني أيديولوجيا صلبة وخطاب شعبوي في السنوات الأخيرة.

وكذلك، فإن توجيه الاتهامات لكيانات اعتبارية من أحزاب أو جماعات أو مؤسسات وممارسة عقوبات جماعية ضد أفرادها لمجرد الانتماء أو تبني المعتقد دون التورط الفعلي في أفعال مخالفة للقانون هو مضاد لمبادئ العدالة.

لكن بالتأكيد فإن الأطراف الإقليمية والدولية التي تهاجم "عمليات التطهير" التي تجريها الحكومة التركية الآن للعاملين في أجهزة الدولة بعد فشل محاولة انقلابية كانت وشيكة النجاح كانت ستظهر تفهماً أو على الأكثر تحفظاً باهتاً إذا ما نجح الانقلاب ومورست أضعاف هذه الانتهاكات بحق أنصار الحكومة التركية، وهذا ليس تكهناً ولكن رأيناه رأي العين في مصر، فدموع التماسيح التي يذرفها جون كيري والرئيس الفرنسي والاتحاد الأوروبي أو النظم الاستبدادية الخليجية وأبواقها بسبب عمليات اعتقالات أو إقالات جماعية تتم الآن في تركيا لم نرَها والمواطنون المصريون يقتلون بالآلاف في الشوارع أو تحت التعذيب، ويلقون في السجون بعشرات الآلاف بمحاكمات أكثر من هزلية.

ثانياً فيما يخص الشأن التركي، فإن هذه المحاولة للانقلاب لم تكن الأولى، وفي كل مرة كانت الحكومة التركية تقوم بردة فعل تطهيرية محدودة، تبين الآن أنها لم تكن كافية لردع محاولات أخرى؛ لذلك مع محاولة الانقلاب هذه ومع حجم المتورطين فيها ومدى خطورتها ونجاحها الوشيك ثم التواطؤ الإقليمي والدولي الذي تعددت مؤشراته يجعل ردة الفعل العنيفة هذه المرة ليست مجرد "شهوة انتقام" أو "افتراء" ولكن محاولة للقضاء على خطر حقيقي كانت سكينته على الرقبة منذ لحظات، وهي مسألة قد يراها البعض حسماً ضرورياً افتقدناه نحن في دول الثورات العربية مع الدولة العميقة وأذرعها التي التفت لتخنقنا نحن فيما بعد، وقد يراها البعض مخاطرة غير مأمونة العواقب، خصوصاً مع توتر الأوضاع وعدم وضوح موازين القوى، والبعض الآخر سيفسرها على أنها استغلال للحدث في محاولة التخلص من الخصوم السياسيين وإحكام السيطرة على جهاز الدولة لصالح الحزب الحاكم.

ثالثاً، هل ما تم هو في صالح الديمقراطية في تركيا؟!
ما هو أكيد أن الانقلاب العسكري لم يكن في صالح الديمقراطية في تركيا، أما لكي لا يكون فشله أيضاً ليس لصالح الديمقراطية، بأن يتسبب في تأسيس نظام سلطوي كردة فعل عكسية أو أن يكون تمهيداً لانقلاب جديد بمبرر أقوى، فإنه على حزب العدالة والتنمية -بعد انتهاء هذه الفترة الأولية الطارئة- ألا ينفرد عن الأحزاب السياسية والنخب والقيادات المجتمعية في إجراءاته التي سيأخذها، سواء في تسويته لمسألة الانقلاب، أو فيما يتعلق بإعادة تشكيل وتأمين النظام السياسي الديمقراطي في تركيا، ولو وصل الأمر إلى تشكيل حكومة وحده وطنية لكي تمر بالبلاد من هذه الأزمة وتشرف على الترتيبات الدستورية والمؤسسية الجديدة، خصوصاً أن هذه الأحزاب قد أبدت مسؤولية بموقفها المبدئي والقاطع ضد الانقلاب.

وكذلك على حزب العدالة والتنمية أن يحسن الحفاظ على دعم الشارع والرأي العام في تركيا له، ليس بإعلاء الخطاب الأيديولوجي والشعارات الحادة، التي بدأت نغمتها في التعالي في الأيام الأخيرة، بل بأن يتابع ما ينتظره منه المواطن التركي من تنمية اقتصادية وتطوير للخدمات وتوفير بيئة استقرار سياسي واجتماعي واشتباك فعال مع قضايا الإقليم وحفظ للأمن القومي، وبالمقابل فإن عليه ألا يتمادى في حالة الشحن والتجييش ضد أي طرف تركي داخلي، سواء المؤسسة العسكرية أو حتى جماعة الخدمة وأنصارها، بما يهدد الوحدة المجتمعية، ويحوّل حالة الدعم الشعبي إلى حالة سعار شعبوي غير مأمونة المسار والنتيجة، بل عليه أن يفتح بأسرع ما تتيحه الظروف باب المصالحة، وأن يزيل الاحتقان والتوتر، وأن يحجم لأقصى مدى عملية العقوبة والإقصاء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد