قد تابعنا بلهفة وإثارة الأحداث التي جرت في تركيا مساء يوم الجمعة 15 يوليو/تموز الماضى، والتي علمنا في بدايتها عن محاولة بعض التشكيلات العسكرية القيام بانقلاب على الحكومة المنتخبة، ثم أصبح الوضع يزداد سوءاً؛ حيث قامت بعض القنوات الحكومية الإخبارية بنقل أنباء تتحدث عن سيطرة العناصر الانقلابية على بعض الأماكن الحيوية في العاصمة أنقرة وفى إسطنبول.
وكانت هناك بعض الأقاويل بأن الفئة المنقلبة أعلنت سيطرتها على البلاد من خلال بيان لها بثته بواسطة قناة قد سيطرت عليها، بدا الأمر وكأن الانقلاب قد تمكن بالفعل من السيطرة على البلاد، وبدأ بعض الناس يتحدثون عن تركيا ومستقبلها ما بعد الانقلاب، ويتخيلون مصير بعض القضايا المعاصرة في الشرق الأوسط وكيف ستتعامل معها تركيا بعد الانقلاب، ولكن ظل رئيس الوزراء صامداً طوال الوقت، وينفي أي بيان صادر عن العناصر الانقلابية، ويطلب من الشعب أن يثق في حكومته وأن يدعمها، بعد ذلك بدقائق بدأ الأمل يدب في النفوس مرة أخرى.. لماذا دب الأمل في النفوس؟!.. لماذا لم تنجح محاولة الانقلاب في تركيا؟!.
من وجهة نظري، هناك عدة عوامل ساعدت على فشل محاولة الانقلاب هذه المرة، على الرغم من نجاحه في تركيا أكثر من مرة سابقاً، وعلى الرغم من نجاح الانقلاب في بلاد أخرى في المنطقة، ومن هذه العوامل:
ثبات موقف الحكومة التركية، وإعلانها الدائم أنها ما زالت هي المسيطرة على الموقف، وتوعدها بمحاسبة كل من له علاقة بالمحاولة الانقلابية، وأيضاً ظهور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إحدى القنوات الإخبارية التركية، وإعلانه أنه بخير، وأنه ستتم معاقبة تلك الجماعة المشاغبة، ودعوته للشعب لمساندة الحكومة والخروج للشوارع.
كما ظهر الرئيس التركي السابق عبدالله غل كذلك على إحدى القنوات التركية، وكان صارماً وغاضباً في كلامه، وصرح بأن تركيا ليست دولة إفريقية حتى يتم اغتصاب السلطة الشرعية منها بهذه السهولة.
أيضاً الموقف الرائع المحترم للمعارضة التركية؛ حيث أعلنت المعارضة تأييدها الكامل للحكومة ورفضها للحركة الانقلابية.
أيضاً إعلان بعض جنرالات الجيش إنكارهم لعملية الانقلاب، وتأييدهم لشرعية الحكومة المنتخبة، ولا ننسَ دور الشرطة التركية الباسلة النزيهة التي عملت على حماية المواطنين ولم تتخلَّ أبداً عن واجبها في الحفاظ على الوطن، ووقفت ضد دبابات المحاولة الانقلابية.
كل ذلك يدل على إيمان القيادات السياسية في تركيا بالديمقراطية والشرعية للحكومة المنتخبة.
ثم يأتي دور الشعب الباسل الواعي الذي استجاب لدعوات رئيسه ورئيس وزرائه ونزل إلى الشوارع بأعداد كبيرة جداً على الرغم من تأخر الوقت، خرجوا إلى الشوارع يهتفون ويساندون حكومتهم، خرجوا يؤيدون الديمقراطية والشرعية ويرفضون بشدة الديكتاتورية العسكرية، خرجوا يختارون المستقبل!
إذن تكاتفت عدة عوامل وتداخلت مع بعضها البعض لكبح جماح الانقلاب العسكري، الوعي الشعبي والنزاهة السياسية للمعارضة والموقف الثابت الواثق للقيادات السياسية، كلها ساعدت على قلب الطاولة على أصحاب محاولة الانقلاب العسكري، وتم دحض جميع أهداف وخطوات أصحاب الحركة الانقلابية، نستنتج من ذلك أن الإرادة الشعبية القوية والوعي العام لا يمكن أن تهزمهما قوة السلاح.
شاهدنا الأحداث ويجب علينا أن نتعلم منها، يجب علينا أن نتذكرها دائماً؛ لأنها ستصبح يوماً ما نموذجاً تاريخياً للتكاتف الشعبي والوحدة الوطنية في صالح الديمقراطية والشرعية وضد الانقلاب العسكري.
ينبغي علينا أن نتعلم من الشعب التركي كيف تحول إلى صوت رجل واحد على الرغم من اختلافاته العديدة، كيف استطاع أن يحدد مصيره، كيف فضَّل نور الديمقراطية المدنيّة على ظلام الديكتاتورية العسكرية، كيف رفض الانقلاب العسكري وهزمه وحوله إلى "انقلاب ساعة".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.