لثالث مرة في أقل من عامين، تعرضت فرنسا لهجمات إرهابية أودت بأرواح عشرات الأشخاص من المدنيين، عمليات تجعل مرة أخرى الإعلام الفرنسي والعالمي يبدو كأداة في يد الإرهابيين.
بعد هجمات بروكسل في مارس/آذار الماضي، تناول عدد من المحللين دور القنوات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي في إحداث صدمة نفسية واسعة، وقد تم تشغيل الآليات نفسها بعد حادثة نيس المروعة.
رؤية ليست بالجديدة وقد طُرحت في أواخر القرن 19 من قبل بعض اللاسلطويين، وكذلك الألوية الحمراء في إيطاليا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي: فكرة "ضرب واحد، لتأديب مائة"، من خلال نشر الفزع عبر قنوات الاتصال.
ومنا من يتذكر مارغاريت تاتشر عام 1985 حين قالت أمام جمع من المحامين الأميركيين إنه "يجب حرمان الإرهابيين من أكسجين الدعاية.."، عبارة يمكن إسقاطها على الوضع الراهن.
يأتي هذا من منطلق أن التفكير في الإرهاب يستلزم الفصل بين الضحية والغاية: فالضحية هي مجموعة الجثث المترامية هنا وهناك، والتي لا يجب أن نغفل عن كونها مجرد وسيلة للوصول إلى غاية أكبر ألا وهي الرأي العام والدول والحكومات.
وهنا يلعب الصحفي مضطراً لعبة الإجرام، فهو لا يقوم بأكثر من دوره المنوط به، لكنه ومن خلال نقله للحدث، يضمن دعاية مجانية للمجرمين ونشاطاتهم، ولن نتطرق هنا إلى الدعم المقصود في بعض الحالات، ضد دول وحكومات وأنظمة بعينها.
تعتبر القضية الأساسية لدى الإرهاب هي تحقيق التواصل بشكل مَرَضي منحرف، يُبنى على العنف ويستغل الصحافة لإيجاد الصدى المنشود عند العامة، والعمليات المنفذة وسيلة يقاس نجاحها بمدى تأثيرها على النفسيات، والقنوات والصحف تنشر الرعب والخوف من خلال الصور والتعليقات ووسائل التواصل الحديثة، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك ببثها معلومات سرية تخص أطرافاً متورطين، في وقت فائق الخطورة يفترض فيه التكتم على المعطيات، كما تقوم برصد كل التفاصيل وكل خطوات التحقيق، ما قد يسمح للفكر المتطرف بالانتشار وربما بإضفاء الشرعية عليه.
يتطلب الإرهاب نصيباً من الإعداد والإخراج بغية ضرب الكيان الاجتماعي، والصحافة تدعم هذه الغاية، وتعطي أصحابها مصداقية ووزناً، وقد باتت المادة بمثابة عرض شيق للكثيرين، يتابعون آخر مستجداته كأنها حلقات مسلسل شيق.
منذ أكثر من عقد يعمل بعض المراقبين على فهم ودراسة ردود الفعل حيال الأعمال والهجمات الإرهابية، وقد اتفقوا على أننا وقعنا جميعاً فريسة لجمال الشر وضحية لفتنة الشيطان وجنوده.
يبقى السؤال: لِمَ نهتم بأخبار الإرهاب وتبعاته أكثر من أي سبب قد يودي هو الآخر بحياة نفس عدد الضحايا؟
الجواب قد يكون في:
– عدم استيعاب الناس للاحتمالات التي تنطوي على أرقام هائلة.
– المبالغة في تقدير قوة العدو، فلا ننسَ أن الإرهاب سلاح الضعفاء.
– تشبع العالم بوسائل الإعلام والتواصل التي تضخم المشهد.
تُبث الصور دون انقطاع، قادمة من مصادر متنوعة معظمها هواتف وأجهزة خاصة لأشخاص عاديين، ويرافق هذه الغزارة في المواد السمعية والبصرية تحليلات سطحية في غالبها، ما يُدخل دماغ المشاهد في حالة صدمة وشلل، وشخصنة فائقة تجعل الواحد منا يشعر وكأنه يعيش الحدث، ما يولد إحساساً بالقلق الدائم والخطر المحدق.
إذن، قوة تأثير الوسائل الحديثة التي تبيع الذعر هي أفضل حليف لمنفذي الهجمات ومن خلفهم من تنظيمات وجماعات، فبمجرد بث تفاصيل الحدث والفيديوهات وشهادات الناس وآلامهم، يتسع نطاق التأثير ليشمل كل مَن يشاهدها ويطلع على مضامينها، ويتم بذلك نشر الصدمة إلى أكبر عدد من الجماهير من خلال مشاركتهم خبرات غيرهم الموجعة.
المتطرفون يعون كل ذلك؛ لذا يتوجب علينا أخذ الأمر على محمل الجد وتعزيز قدرتنا على الصمود، بعدم الاستسلام لوتيرة الأخبار المتسارعة وكمها الكثيف، وانتقاء ما يتم بثه أو مشاهدته، والاعتماد على ثقافة وقدرة المتلقي على فهم ما يجري، وبالتالي التمييز بين الحق والباطل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.