بحسب لسان العرب، فإن الخَرْش في اللغة هو الخَدْش في الأجساد كلّه، وقال الليث الخَرْشُ بالأَظفار في الجسد كلِّه، وقال الأَصمعي الخَرْشُ هو أَن يضرب البعير بمِحْجَنه ثم يجتذبُه إِليه كما في حديث أَبي بكر رضي اللَّه عنه، أَنه أَفاض وهو يَخْرِش بعيرَهُ بمِحْجَنِه. ومنها – الخَرْش – اشتقت العرب أسماء كثيرة، واشتهرت مثل سِماك بنُ خَرَشةَ الأَنصاري، وأَبي خِراشٍ الهُذلي وأَبي خُراشةَ عبّاس بن مرْداسٍ السُّلَمي.
أما (خِراش) فقيل إنه اسم كلب، وقيل إنه اسم لصياد. وسواء هذا أو ذاك، فإن هذا الاسم ارتبط بأحد الأمثال العربية الشعبية الشهيرة، وبات يحكي قصّة عادة ما تكون حاضرة في حياتنا، وقد نستمتع بأحداثها ونظنّها من قصص عالم الحيوان دون أن ندري أن ذلك العالم؛ حري بنا أن نتفكّر في دقته ونظامه وحكَمِه البالغة التي نحتاج بين حين وآخر أن نطّلع على بعض أحداثه أو نعتبر من حكاياته.
والمثل الشعبي المقصود هو بيت شعر:
تكاثرت الظباء على خراش ** فلا يدري خراش ما يصيدُ
يُقال بأن قائل هذا البيت هو الحارث بن مُصرّف، وقيل إنه ليس له وإنما تمثّل به. وتُروى قصة هذا المثل في شخص رجل أعرابي اسمه (خراش)، هو صياد ماهر، خرج ذات يوم للصيد، فعثر على قطيع من الظباء (الغزلان) فنثر كنانته وأخرج سهامه لأجل أن يصوّب عليها ويصطاد منها، لكنه دبّ إليه الطمع وغلب عليه الجشع، فكان كلّما صوّب سهمه إلى إحداها ظهر له ظبي أسمن ة، فانصرف إليه، وظلّ (خراش) على هذه الحال، ما إن يرى ظبيا أسمن حتى يحول سهمه -طمعا- نحوه متخليا عن سابقه، فكان طول نهاره محتاراً، لم يستطع اتخاذ قراره في توجيه سهامه لمن، حتى تراكمت عليه الحيرة والاضطراب، وطغى على قراره الطمع فأرهقه التعب وخلَد للنوم! فلما أفاق من نومه كانت (الغزلان) قد تركت مكانها ورحلت، وتركته، فلم يصطد شيئا منها، لا لشيء سوى هذا الطمع الذي أنشأ عنده كل هذا التردد وأبعد عنه الحسم في قراره رغم كثرة الظباء من حوله، لكنه خسرها كلها حتى قال فيه أحد الشعراء بيتاً من الشعر أصبح حكمة:
تكاثرت الظباء على خراش ** فما يدري خراش ما يصيد
ثم مضى هذا البيت كحكمة من الأمثال الشعبية السايرة في أحوال الناس، أفراداً وجماعات يطلقونه على أولئك الذين لا يحسنون التخطيط لأهدافهم وتحديدها، ولا يتقنون عملية اتخاذ القرار، أولئك المترددون الذين لا يستطيعون حسم أمورهم في الوقت المناسب.
لو راجعنا أنفسنا أو التفتنا من حولنا؛ فإنه من السهولة أن نكتشف ذات شخصية (خراش) تتكرّر في الكثير من تصرفاتنا ومخططاتنا وممارساتنا، سنجد كمّاً – ربما – ليس قليلاً من الفرص التي أهدرناها وضيعنا إمكانية الاستفادة منها؛ لأننا اتبعنا فعل سيناريو (تكاثرت الظباء على خراش) وذلك سواء في داخل بيوتنا وأسرنا أو في أعمالنا أو تجارتنا أو المهن التي نتولاها.
على أن التردد وعدم الحسم على طريقة (خراش) باتت أيضاً سمة بارزة في مشروعات وسياسات دول وبلدان تبدأ فيها المشكلات صغيرة فتهملها وتتردد في حسمها، وتتركها تتعقد ثم تتفرّع وتمتدّ لتكبر حتى تصبح مثل كرة الثلج أو تتضاعف كلفة معالجتها رغم أن الحلول كانت متوفرة بإمكانيات وقدرات أقلّ كلفة؛ فقط كانوا يحتاجون إلى التغلّب على المشكلة التي ارتكبها (خراش) عندما تكاثرت أمامه الظباء.
سانحة:
يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتصغر في عين الكبير كبارها ** وتكبر في عين الصغير الصغائر!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.