ماء النيل لإثيوبيا… ويكفينا مشاهدة الدراجة الرئاسية

في النهاية، قد تكون هناك مؤامرة غربية - إسرائيلية لتقويض الدولة المصرية من جميع النواحي الاستراتيجية القومية، لكن علينا أن نلوم أنفسنا أولاً قبل أن نلقى بخيوط المؤامرة على الخارج، فهل لنا أن نتساءل ما استراتيجية الدولة المصرية للتعامل مع سد النهضة حال اكتماله في العام القادم؟ ما الخطة التي وضعتها الدولة لمواجهة الشح والجفاف المائي في السنوات المقبلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/13 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/13 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش

منذ فجر التاريخ ومصر تدرك أن المساس بمياه النيل يمثل التهديد الأعظم للدولة والشعب على حد سواء، باعتبار أن النيل مصدر الحياة للمصريين. الأكثر من ذلك، أن مصر لطالما كانت تعتبر ماء النيل بمثابة أحد الأهداف الاستراتيجية القومية في نظرية الأمن القومي المصري؛ لذلك كان الحسم هو السمة المميزة للتعامل مع أي قضية تمس نهر النيل من قريب أو بعيد، فعلى أحد مقاييس النيل في صعيد مصر، نُقشت نصوص فرعونية مزعومة تقول: "إذا نقص المقياس أكثر من 5 درجات فلتذهب جيوش الشعب فوراً إلى الأعالي".

بعدها بآلاف السنين، انتبه الوالي محمد علي إلى ضرورة السيطرة على منابع النيل من أجل تحقيق مشروعه التنموي بمصر، فأرسل جيشاً للسيطرة على السودان، مع مراقبة منابع النيل الأخرى في إثيوبيا ودول حوض النيل الأخرى. في العصر الحديث، كان رد الرئيس الراحل أنور السادات حاسماً حين هدد إثيوبيا باستخدام القوة حال قيامها بإنشاء أية سدود على نهر النيل، الآن مصر تواجه القضية الأخطر في حاضرها ومستقبلها -سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق- بما لها من آثار مدمرة من جميع الجوانب المائية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

الواقع أن جميع الدراسات تشير إلى وجود آثار كارثية لسد النهضة على مصر تتمثل في تبوير ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية، وارتفاع نسبة ملوحة مياه النيل بما يصاحبه من تأثير على نقص الثروة السمكية، علاوة على ذلك، انخفض بالفعل منسوب المياه خلف السد العالي، مما تسبب في توقف توربينات توليد الكهرباء، بما يشير إلى معاناة مصر من مشكلة في الكهرباء في المستقبل القريب، بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تنخفض كمية المياه المخزنة في بحيرة ناصر، وهي المخزون الاستراتيجي للمياه في مصر، إلى جانب انخفاض مستوى المياه الجوفية في صعيد مصر بنسبة 2 إلى 3 أمتار، هذه الآثار سالفة الذكر ليست إلا غيضاً من فيض من جملة الآثار المدمرة للسد.

أما الآثار الاجتماعية فتتمثل في ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع نتيجة بوار الأراضي الزراعية وهجرة الفلاحين للمدن بحثاً عن العمل، وفيما يتعلق بالآثار السياسية، فإن مصر قد فقدت هيبتها بالفعل في إفريقيا، خاصة مع دول حوض النيل، ولا شك أن دولاً أخرى ستفكر في بناء سدود جديدة على النيل، وليس أدل على ذلك من شروع أوغندا في بناء سد كاروما على النيل الأبيض، بل قد تفكر إثيوبيا نفسها في بناء سدود أخرى على النيل الأزرق.

في منتصف العام 2017، من المتوقع أن يكتمل بناء السد تماماً وحينها ستدخل مصر في مرحلة من الجفاف والشح المائي.
الجدير بالذكر أن مصر حالياً تعد من الدول الواقعة تحت خط الفقر المائي بنصيب 860 متراً مكعباً للفرد سنوياً، وهو أقل من خط الفقر المائي الذي يبدأ من 1000 متر مكعب سنوياً للفرد، وحسب تقرير صادر من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، من المتوقع أن تبلغ احتياجات مصر المائية في العام 2017 نحو 86.2 مليار متر مكعب وهو ما يقل عن مواردها المائية البالغة 71.4 مليار متر مكعب، من بينها 55 مليار متر مكعب حصة مياه النيل، والباقي يأتي من المياه الجوفية والأمطار ومعالجة المياه. وتستخدم مصر نحو 10% من المياه في الشرب ونحو 80% في الزراعة والباقي في الاستخدامات الصناعية والصرف الصحي. فيكف ستتعامل الدولة المصرية مع مشكلة نقص المياه أثناء فترة ملء الخزان التي تتراوح ما بين 3 و5 سنوات وبعد ذلك خلال فترة تشغيل السد؟

قبل بضع سنوات كانت هناك مجموعة من الخيارات أمام مصر للتعامل مع قضية سد النهضة، على رأسها اللجوء إلى المحاكم الدولية، باعتبار أن نهر النيل من الأنهار الدولية التي تحكمه العديد من الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية تقاسم مياه النيل التي وقعتها بريطانيا نيابة عن مصر وأوغندا وتنزانيا وكينيا، وأيضاً اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، لكن هذا الحل قد فات أوانه وأصبح سد النهضة أمراً واقعاً، خاصة بعد توقيع مصر على إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015 الذي أعطى شرعية للسد، الحل الثاني هو التفاوض بين مصر وإثيوبيا لتقليص آثار سد النهضة إلى أقصى حد ممكن، لكن يبدو أن الجانب الإثيوبي يماطل في المفاوضات حتى يصل إلى المراد.

لن يتبقى أمام مصر سوى الحل العسكري، لكن الدولة المصرية في أضعف حالاتها على الإطلاق من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحرب تتطلب جاهزية عسكرية وتمويلات اقتصادية هائلة وتوحد شعبي تجاه تلك القضية، وهو غير متوافر في الوقت الراهن ولا على المدى القريب.

في النهاية، قد تكون هناك مؤامرة غربية – إسرائيلية لتقويض الدولة المصرية من جميع النواحي الاستراتيجية القومية، لكن علينا أن نلوم أنفسنا أولاً قبل أن نلقى بخيوط المؤامرة على الخارج، فهل لنا أن نتساءل ما استراتيجية الدولة المصرية للتعامل مع سد النهضة حال اكتماله في العام القادم؟ ما الخطة التي وضعتها الدولة لمواجهة الشح والجفاف المائي في السنوات المقبلة؟ ما الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الدولة لمواجهة الآثار الاجتماعية المستقبلية لسد النهضة؟ وهل من فرَّط في تيران وصنافير سيحفظ لمصر حقوقها التاريخية في ماء النيل؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد