اكتست الجولة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اليومين الماضيين إلى أربع دول إفريقية، أهمية بالغة لعدة أسباب، حيث إنها الزيارة الأولى لأرفع مسؤول إسرائيلي للمنطقة منذ فترة طويلة، إضافة إلى أن وفد نتنياهو يضم 80 رجل أعمال يمثلون 50 شركة إسرائيلية، وهذا مما يدلل على سعيه لتعزيز التبادل التجاري والمزيد من التغلغل في القارة السمراء.
العلاقات الإسرائيلية الإفريقية قديمة وليست طارئة كما يعتقد البعض، وللكيان الإسرائيلي تمثيل دبلوماسي رفيع في منطقة القرن الإفريقي عدا السودان التي يعتبرها دولة معادية بسبب مواقفها الداعمة للمقاومة الفلسطينية، يؤكد متانة هذه العلاقات حجم الاستثمارات الإسرائيلية في جمهوريتي إثيوبيا وكينيا التي تقدر بمليارات الدولارات، كما أن تل أبيب أهّلت عدداً من اليهود الإثيوبيين (الفلاشا) وضمتهم إلى سلكها الدبلوماسي والقنصلي من بينهم مديرة الإدارة الإفريقية في الخارجية الإسرائيلية، بلاينش زفاديا التي تم تعيينها أخيراً لتكون سفيرة لبلادها لدى أديس أبابا.
جولة نتنياهو التي استهلها من أوغندا حيث أحيا بها الذكرى الـ40 لعملية تحرير رهائن إسرائيليين (بينهم شقيقه)، توجه منها إلى كينيا للقاء الرئيس أوهوروا كينياتا لبحث ملفات التعاون العسكري والأمني، ومن ثم حط رحاله في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التي كان من المنتظر أن يلقي بها خطاباً في مقر الاتحاد الإفريقي، إلا أن اعتراض المجموعة العربية التي تضم (9) دول إفريقية على استقبال نتنياهو بمقر الاتحاد، أفلح في عدم إقامة الندوة التي كان من المفترض أن يخاطبها، فاقتصرت زيارته على مقابلة الرئيس مولاتو تيشومي، وإلقائه (نتنياهو) كلمة في البرلمان الإثيوبي تعهد فيها بالعمل على دعم إثيوبيا بالتكنولوجيا للاستفادة من مواردها المائية في تطوير الزراعة.
يرى دبلوماسيون، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، يسعى من خلال هذه الجولة إلى إنعاش علاقات بلاده مع القارة الإفريقية؛ من أجل ضمان دعم دول القارة السمراء لتل أبيب في المؤسسات الدولية، إذ إنها تتعرض لانتقادات مستمرة وحالة من العزلة؛ بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية وممارساتها على الأرض، إلى جانب أنشطتها النووية المثيرة للجدل.
لا يغيب عن ذهن المتابع العربي تأثيرات زيارة نتنياهو للدول الأربع المعروفة بأنها (دول حوض النيل) لذلك يتخوف السودان ومصر من مآلات الزيارة نسبة للعلاقات والتعاون الإسرائيلي مع إثيوبيا في مجال المياه والسدود، ويعتقد مراقبون أن إسرائيل تهدف إلى ضمان توفير المياه على المدى الطويل عن طريق المساهمة في تمويل بناء السدود على نهر النيل وهو ما ترحب به دول الحوض.
حمل نتنياهو في جعبته عدداً من المحفزات والإغراءات للجانب الإفريقي من ضمنها موافقة الحكومة التي يرأسها على افتتاح مكاتب للوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية في الأقطار الأربعة التي من المفترض أن تشملها زيارته.. هذه الوكالة تتبع بشكل مباشر لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وتُعنى بتقديم خبرات تكنولوجية وفنية للدول المستهدفة حسب الاتفاقيات.
أيضاً خصصت الحكومة الإسرائيلية ميزانية بقيمة 13 مليون دولار لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون مع هذه الدول في مجالي الأمن والصحة، ويهدف نتنياهو من اصطحابه لـ80 من رجال الأعمال الإسرائيليين إلى زيادة حجم الاستثمارات، خاصة في قطاع الاتصالات والزراعة والسدود (بحسب خبراء).
لن يستطيع أحد توجيه اللوم للدول الإفريقية على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، إذ أن لغة المصالح المشتركة تتغلب على العواطف في عالمنا اليوم، يعضد ذلك الرأي إقامة بعض الدول العربية علاقات دبلوماسية وتوقيعها لمعاهدات مع إسرائيل.. ومما يدل على أهمية الزيارة مشاركة عدة رؤساء أفارقة في استقبال نتنياهو بأوغندا في أولى محطاته، وهم الرئيس الكيني أوهورو كينيات، الرواندي بول كاغامي، رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وزامبيا إدغار لونغو، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين، إلى جانب رئيس الدولة المستضيفة يوري موسفيني.
في أديس أبابا، المحطة الأكثر أهمية لنتنياهو، لدورها المحوري واحتضانها لمقر الاتحاد الإفريقي، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين عن ترحيب بلاده بعودة إسرائيل إلى الاتحاد بصفة مراقب، هذه العودة من المنتظر أن تجد اعتراضاً شديداً من قبل الدول العربية الإفريقية على الأقل.
يحدث هذا الاختراق الإسرائيلي للأسف، والدول العربية تظل غائبة من إفريقيا رغم قربها منها جغرافيا، لإنشغال العرب بأزماتهم المتمثلة في الملفات الشائكة (السوري، اليمني، الليبي، العراقي)، إلى جانب مواجهة تنظيم داعش، مع أن الدور الإسرائيلي لا يقل خطورة عن هذه الملفات بالنظر إلى أهمية القارة السمراء إستراتيجيا.
ولمواجهة التحركات الإسرائيلية المشبوهة، نقترح أن تقترب الدول العربية بصورة أكبر من إفريقيا، وأن لا تتركها للكيان الإسرائيلي، فيجب تقوية العلاقات مع دول جنوب الصحراء عن طريق تعزيز الاستثمارات العربية، وللسعودية تجارب ناجحة في هذا الصدد خاصة في إثيوبيا وكينيا، كما أن هنالك نسبة مقدرة من العمالة الإفريقية في دول الخليج العربي، يمكن أن تشكل جسراً للانفتاح نحو إفريقيا ومجتمعاتها.
لا نعول كثيراً على جامعة الدول العربية لحالة السبات العميقة التي تعيشها ولضعف مواقفها وتشرذمها، لذلك نتمنى أن يتبنى السودان مبادرة لمحاصرة التغلغل الإسرائيلي لتمتعه بعلاقات متميزة مع كل الدول الإفريقية التي زارها نتنياهو، وأن ينسق مع الأشقاء العرب لوضع خطة تهدف للتصدي للتدخلات الإسرائيلية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.