معركة التشيُّع.. الوجه الخفي لمعركة الحوثي في اليمن

الأخطر في هذه المعركة أنها تتم في الظل وبعيداً عن الأضواء، وفي ظل غيبوبة مميتة من قِبل النخب اليمنية من علماء ومثقفين وسياسيين، وعجز واضح للحكومة الشرعية وإعلامييها وكأنها لا تعنيهم غير مدركين أنها معركة وجود وهوية ومستقبل، وأن ترك هذه المعركة بلا تصدٍّ مدروس سيجعل مستقبل البلاد حقل ألغام لن ينجو منه أحد، وستكون تكلفة تصفيتها باهظة الثمن وبحاجة لأجيال وآماد زمنية طويلة لإزالة آثارها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/04 الساعة 06:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/04 الساعة 06:24 بتوقيت غرينتش

أفاق المجتمع اليمني على واقعتين أحدثتا صدمة قوية في وعي المجتمع، وأحدثتا ضجة على صفحات التواصل الاجتماعي، وأتمنى أن تتحول إلى ردة فعل مدروسة ومستمرة.

الأولى: زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة الحوثية (المسماة بأنصار الله) صالح الصماد وأحد قياداتهم المدنية حسن زيد للشيخ العلامة محمد بن إسماعيل العمراني، مفتي الجمهورية وأحد أبرز القامات العلمية والفقهية اليمنية التي لا يختلف عليه اثنان، وكان مضمون الزيارة إخبار الشيخ بمصادرة المكتبة العلمية التي تتبع مركز العمراني العلمي؛ لأنها تحتوي على فكر وهابي داعشي، وأظهرت الصور أن مخاطبة الشيخ العمراني كانت مقززة ومستفزة للمجتمع.

والواقعة الثانية: هي نشر صور لكتاب الصف الأول الابتدائي، وقد حذف منه اسم عمر المجرد من أي صفة أو كنية واستبداله باسم محمود، الأمر الذي كشف للجميع عن معركة كبيرة تدور بعيداً عن الأضواء، وساحاتها الوعي والعقل، الأمر الذي دفعني للوقوف قليلاً أمام هذه المعركة وأبعادها.

لقد بدأت جماعة الحوثي المسلحة نشأتها كحركة فكرية عقائدية في شعاب صعدة القاصية، ولم تعلن عن نفسها إلا من خلال تمردها المسلح ضد الدولة الشرعية في العام 2004؛ لتخوض بعدها ست حروب حتى أسقطت العاصمة صنعاء بتاريخ ٢١ سبتمبر/أيلول ٢٠١٤م.

خلال سنوات الحرب كان مخزونها العسكري من المقاتلين الشباب الذين تلقوا تربية فكرية وعقدية عسكرية بإشراف مباشر من الحوزات الحوثية القائمة على فكر المظلومية والتبشير بالمهدي الذي أحياه مؤسس الجماعة حسين الحوثي.

منذ البداية الأولى للحركة وهي تدير معركة فكرية ثقافية ضد الثقافة اليمنية بشقيها (الزيدية والشافعية)، وتعمل لأجل ذلك في اتجاهين: الأول يعمل على هدم ومحو الأفكار والثقافة التي ترى أنها تؤثر سلباً على حاضنتها التربوية، فعملت على تهجير السلفيين من مركز دمج في محافظة صعدة وتفجير مسجدهم، كما عملت على تفجير المساجد والمدارس ودور القرآن الكريم التي يرون أنها تشكل خطراً على معتقداتهم، خاصة في منطقة شمال الشمال، والثانية العمل على نشر أفكارها وثقافتها بشتى الوسائل المتاحة، كتأهيل معلمين وإعادة طبع ملازم ومحاضرات المؤسس حسين الحوثي، واستقدام الموالين إلى صعدة في دورات تثقيفية مغلقة تمتد لأشهر.

أدركت الجماعة الموالية لإيران الشيعية أهمية المعركة الفكرية، وضرورة الإسراع في الانتشار والتغلغل في المجتمع اليمني، واستقطاب فئة الشباب بصورة موازية لتمددها العسكري في المحافظات اليمنية عامة والمحافظات الوسطى والجنوبية خاصة، فبدأت معركتها الفكرية في وقت مبكر قبل سقوط العاصمة صنعاء بمراحل، وهي ما زالت محاصرة في مركزها الروحي بصعدة الذي حولته إلى مركز تعبئة فكرية وعقدية للأتباع والموالين، كما حرصت على نقل رفات مؤسسها من خلال صفقة سياسية مع الرئيس السابق علي صالح من باحة السجن المركزي في العاصمة صنعاء إلى مركزها في صعدة، معززة حربها الثقافية ببناء ضريح لرفاته يتطابق مع الأضرحة الشيعية للأئمة المعتبرين في الثقافة الشيعية، محاولة منها صناعة رمزية دينية مركزية جامعة، تمهيداً لتحويل صعدة إلى مركز روحي لأتباعها يوازي قم في إيران وكربلاء والنجف في العراق.

كما حرصت الجماعة منذ نشأتها على خلق نوع من التميز الثقافي كجماعة بديلة للسلطة الشرعية اليمنية من خلال إنتاج الشعارات والألوان والرموز الخاص بها ذات الخلفية التاريخية والفكرية التي تهدف إلى إحداث قطيعة فكرية مع المجتمع، والتهيئة النفسية لدى الأتباع والمناصرين والمحايدين بالذات لتقبل القادم الجديد، وإحداث قطيعة مع الواقع، كما عمدت إلى استخدام شعار الصرخة بلونيها الأحمر والأخضر بديلاً عن العلم اليمني الجمهوري بألوانه الأحمر والأبيض والأسود، وإحياء ألوان المملكة المتوكلية الهاشمية التي قضت عليها ثورة 26 من سبتمبر في عام 1962، ولم تنسَ بعد السيطرة على العاصمة إلى تغيير معالم الشوارع والطرقات فعمدت إلى طلائها بلونها الأخضر بدلاً من اللونين السائدين الأصفر والأسود في إطار معركة الألوان والرموز ولم يكن أمراً عادياً، أو تصرفاً عبثياً كما تصوره البعض.

استمرت المعركة في اتجاه آخر متمثل في السيطرة على المؤسسات الإعلامية، وإفراغها من الإعلاميين المناوئين واستبدالهم بآخرين مؤيدين لها خاصة مؤسسة التلفزيون وصحيفتَي الثورة و26 سبتمبر الرسميتين، وبدأت بنشر أفكار تنتقص من أُم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وتمجد التشيع في مناسبات عدة، كما أغلقت معظم الصحف والقنوات وحظرت أغلب المواقع الإلكترونية المعارضة، في المقابل عينت الإعلاميين لها مناصب إعلامية سيادية ضمن سياسة تكريس سياسة الجماعة الثقافية.

في المقابل، حرصت الجماعة على إسكات الأصوات المعارضة فعمدت إلى تدمير المؤسسات المناوئة، حيث بدأت بمركز السنة السلفي في محافظة صعدة منطقة دماج، وخاضت الجماعة في سبيل ذلك حرباً ضروساً لأجل تصفية خصومها الفكريين من السلفيين حتى نجحت في إخراجهم بموجب صفقة بينها وبين الرئيس هادي، في أكبر عملية تهجير في تاريخ اليمن الحديث، واستمرت في انتهاج هذه السياسة ففجَّرت دار القرآن الكريم في أرحب وهمدان وخمر حتى وصلت إلى جامعة الإيمان؛ حيث قامت بنهب كل ما فيها من أثاث وتجهيزات تقدر بمليارات الريالات، وقد وثقت منظمات حقوقية تدمير عشرات المساجد والمدارس بصورة كلية أو جزئية؛ حيث كانت حصة محافظة عمران وحدها تدمير (١٦) مسجداً.

كما حرصت على نشر فكر التشيع من خلال إنشاء الحوزات وممارسة طقوس التشيع كالبكاء واللطم على الحدود، وإيفاد أنصارها في دورات فكرية وتثقيفية إلى مدينة قم الإيرانية تستمر أحياناً إلى عدة سنوات لصناعة مراجع متخصصة، ونشر ملازم ومحاضرات مؤسس الجماعة التي ركزت على تقديم قراءة خاصة للقرآن تتناسب مع أهداف الجماعة، لما للقرآن من تأثير وتقدير لدى المتلقي
، إضافة إلى إحداث نوع من الاستقلالية عن القراءات الموجودة على الساحة اليمنية والعربية باعتبارها قراءات داعشية أو وهابية، طباعة كتب دخيلة في مضمونها على قيم وعادات وتقاليد المجتمع تزدري فيها الصحابة الكرام وتشرعن للمتعة وغيرها من معتقدات الشيعة، وأخيراً تزين العاصمة صنعاء بصور ضخمة للإمام علي والحسين والأئمة الاثني عشر حتى تشعر كأنك في طهران أو الضاحية الجنوبية في لبنان، ولست في العاصمة اليمنية صنعاء؛ لتقدم للمواطن رسالة للواقع الجديد ومحاصرة وعيه به في كل حركته.

السيطرة على أغلب المساجد، خاصة بالعاصمة صنعاء، ومنع الخطباء المعارضين لفكرهم من إلقاء خطبة الجمعة واستبدالهم بخطباء موالين لهم ملتزمين بأدبيات وسياسات الجماعة في الخطاب المنبري
، بل وصل بهم الأمر إلى ترديد شعار الصرخة أثناء صلاة الجمعة، كما منعت إقامة الدروس والمحاضرات داخل المساجد إلا بإذن مسبق من وزارة الأوقاف التي تتبع الجماعة، وملاحقة الدعاة والخطباء واعتقالهم، وأخيراً في رمضان تم منع قيام صلاة التراويح بصورة علنية باعتبارها بدعة عمرية ودخيلة على الإسلام.

منع طباعة ونشر الكتب التي تحذر من فكرهم وتكشف عورهم، مثل كتاب الشهيد "أبو الأحرار" محمد محمود الزبيري قصة الرهينة، وقد عملت الجماعة بصورة ممنهجة منذ زمن طويل في خدمة معركتها
وكانت تمارس نوعاً من الضغط على القرار الحكومي أيام الرئيس السابق في وزارة الثقافة بمنع طبع كثير من الكتب، بل إن بعض المؤرخين يتهم اللوبي الإمامي الذي مهد لظهور هذه الجماعة بإخفاء ثلاثة أجزاء من موسوعة الإكليل للمؤرخ اليمني أبوالحسن الهمداني التي تفضح زيف وبدعة النسب العالي والمقدس لهذه الجماعة.

على مستوى العملية التربوية في المدارس دأبت الجماعة منذ البداية على استهداف المناهج المدرسية
؛ حيث ضمنت المقررات المدرسية معاركهم المجنونة ضد الصحابة، وبالذات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها؛ بل وصل بهم الأمر إلى حذف اسم عمر مجرداً من أي صفة أو لقب من كتاب القراءة للصف الأول واستبداله باسم محمود، وحذف مقرر سورة النور من كتاب الصف التاسع لاحتوائه على براءة السيدة عائشة رضي الله عنها.

على مستوى تشكل الوعي المجتمعي سعت الجماعة إلى إحياء الاحتفالات سواء الدينية العامة
؛ كالمولد النبوى، أو الخاصة؛ كيوم الغدير ويوم الشهيد القائد بصورة دورية على غرار احتفالات حزب الله وتلقى فيها الكلمات والأناشيد وترسم الرموز على الجدران ويحدد الناس بصورة استعراضية ويتبادل التهاني وتنفق عليها ملايين الدولارات سعياً إلى ربط ذاكرة المجتمع بهذه الرموز والاحتفالات التي ترتبط بالجماعة وفكرها وثقافتها.

الأخطر في هذه المعركة أنها تتم في الظل وبعيداً عن الأضواء، وفي ظل غيبوبة مميتة من قِبل النخب اليمنية من علماء ومثقفين وسياسيين، وعجز واضح للحكومة الشرعية وإعلامييها وكأنها لا تعنيهم غير مدركين أنها معركة وجود وهوية ومستقبل، وأن ترك هذه المعركة بلا تصدٍّ مدروس سيجعل مستقبل البلاد حقل ألغام لن ينجو منه أحد، وستكون تكلفة تصفيتها باهظة الثمن وبحاجة لأجيال وآماد زمنية طويلة لإزالة آثارها.

معركة التشيع الفكري اليوم في اليمن معركة خفية تدور في الظل بعيداً عن المواجهات العسكرية إلا أنها لا تقل أهمية وخطورة، بل هي أشد خطورة كونها تستهدف الوعي وتدمر العقل وتؤسس لمستقبل مخخ بأفكار طائفية، فهي معركة الهوية والانتماء وتهدد استقرار المجتمع ونسيجه الاجتماعي حاضراً ومستقبلااً، وتدمر وشائج القربى وتفتح الباب الواسع على حروب مستقبلية أشد ضراوة بدوافع طائفية.

إن تجاهل هذه المعركة يحول هذا الجيل إلى قنابل جاهزة للانفجار في أي زاوية أو بيت، وفي وجه كل مخالف سواء كان أباً أو أخاً أو قريباً، والأخطر إيجاد جيل مسكون بخرافة المهدي وعصر الظهور والتمهيد للمهدي، مستعد لتقديم روحه لأجل السيد، لا مكان للمستقبل والدولة في تفكيره، ما يؤخر عملية أي تغيير أو نهوض حقيقي في المستقبل.

وأخيراً نؤكد أن هذه المعركة ليست معركة اليمن وحدها، بل هي معركة الإقليم بأكمله، وأي تقصير في التصدي لها ومقارعتها بالحجة والمنطق واستخدام كافة الأدوات والوسائل الإعلامية سيكون أثرها مدمراً لمستقبل المنطقة بأكملها، وسيفرخ من هذا الفكر داعش شيعي مشحون بالمظلومية التاريخية هدفه الثأر والانتقام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد