قصتي مع الإلحاد (1)

أذكر يومها كم ضحك عليَّ، وقال لي: ما أجمل براءتك! واليوم عندما تذكرتها ضحكت على نفسي أكثر مما ضحك هو، ضحكت على سذاجتي، ولا لوم عليَّ، فوقتها كنت صغيرة صاحبة السادسة عشر عاماً إن لم أكُن أقل، ليس لدي المعرفة الكافية، ولم أخض مرة في المعتقدات والديانات، كل ما كنت أقوم به أصلي وأصوم وأقرأ القرآن.. باختصار شعائرنا التي تميز فطرتنا التي فطرنا الله عليها، ألا وهي فطرة الإسلام، التي لم أتجرأ يوماً على مناقشتها، أمرني ربي بها فطبقتها، والأكيد بتقصير؛ لأنني بشر، والبشر يصيبون مرة ويخطئون مرات، وخير الخطائين التوابون.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/04 الساعة 04:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/04 الساعة 04:48 بتوقيت غرينتش

جميل أن نقرأ، والأجمل أن نستخلص ونعتبر من كل كتاب نقرأه، والأعظم أن لا نصدق كل ما نقرأ، فإن كنت من الأشخاص الذين يصدقون كل ما يقرأون فنصيحتي لك أن لا تقرأ حتى لا تتورط.. وفي هذه التدوينة ستفهمون عن أي تورط أتحدث.

في العادة عندما نقرأ كتاباً نصنع لنا ذكرى معه.. ذكرى تبقى راسخة في أذهاننا ونتذكرها كلما ذكر عنوان الكتاب أمامنا.. أنا الذكرى التي اكتشفتها اليوم بعد أكثر من ثماني سنوات كانت مع كتاب مصطفى محمود، كتاب رشحه لي صديق وأخ عزيز من دولة عربية صديق أكبر مني سناً وعلماً وثقافة، وكثيراً ما تعلمت منه، في حديثنا مرة في وقتها كان عن طريق الـ"سكايب"، سألني إذا ما انتهيت من قراءة الرواية التي أخبرته عنها، أجبته أنه لم يتبقَّ لي منها إلا القليل، فقال:
– جميل جيداً إذاً هل أرشح لكِ عنواناً لكتاب؟
– أكيد فلتفدني.
– اقرئي كتاب مصطفى محمود "حوار مع صديقي الملحد"، كتاب جميل جداً سيفيدك كثيراً وستحتاجينه في حياتك إن حدث ووقعت في نفس الموقف
– الموقف؟!
– يعني إذا صادف وارتد أصدقاء لكِ عن الإسلام.
إجابتي كانت سطحية جداً بقدر عمري وبساطة خبرتي ومعرفتي قلت أقرأ لكي أستفيد منه، فهذا أكيد، أما أن أقع في نفس الموقف فهذا أيضاً أكيد لا.. سألني لما قلت كما تعلم أن الجزائر بلد مسلم مبدؤنا الإسلام ديننا، وليس هناك تعدد في الديانات، وكلنا نقول "لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله".
– نعم هناك تعدد وهناك ملحدون أيضاً.
– ملحدون؟! مَن هم؟!
ففي أيامها لم أكن أعرفهم ولم أسمع عنهم قبلاً، ولم أكن أعرف إذا كانوا موجودين بيننا، كل ما كنت أعرفه هو الديانات التي ذكراه ربي في كتابه العظيم، قال: من لا يؤمنون بالله، تركته وأسرعت إلى المتصفح أبحث عنهم، فاندهشت، عدت له، وبكل ثقة قلت:
– قرأت عنهم، وهذا النوع من الأشخاص لا وجود له في وطني، ليس هناك من يعتنقون الديانات الأخرى، فما بالك بمن لا يؤمنون أصلاً!
– مع الأيام ستدركين وتتأكدين وستكتشفين بنفسك أنهم موجودون.
– وهل ستناقشني في مجتمعي؟ صحيح أنني لا أعرفهم شخصاً شخصاً، ولكن ليس لدينا هذا النوع.
– أمينة، الإلحاد بذرة خصبة وموجودة في كل مكان وزمان، وهذه البذرة تنمو وتترعرع إن وجدت تربة صالحة.
– عليك نور.. أنت قلت إن وجدت تربة صالحة، فتربة وطني صحراء قاحلة، وتلك البذرة لم ولا ولن تنمو، باختصار لا وجود للملحدين بيننا.

أذكر يومها كم ضحك عليَّ، وقال لي: ما أجمل براءتك! واليوم عندما تذكرتها ضحكت على نفسي أكثر مما ضحك هو، ضحكت على سذاجتي، ولا لوم عليَّ، فوقتها كنت صغيرة صاحبة السادسة عشر عاماً إن لم أكُن أقل، ليس لدي المعرفة الكافية، ولم أخض مرة في المعتقدات والديانات، كل ما كنت أقوم به أصلي وأصوم وأقرأ القرآن.. باختصار شعائرنا التي تميز فطرتنا التي فطرنا الله عليها، ألا وهي فطرة الإسلام، التي لم أتجرأ يوماً على مناقشتها، أمرني ربي بها فطبقتها، والأكيد بتقصير؛ لأنني بشر، والبشر يصيبون مرة ويخطئون مرات، وخير الخطائين التوابون.

اليوم وبعد أكثر من ثماني سنوات وقعت في الموقف، أول شيء تذكرته هو صديقي وموقفي معه، والكتاب الذي اقترحه لي، كان محقاً في قوله: مع الأيام ستدركين وتكتشفين أنهم موجودون، وكم كانت صدمتي عندما اكتشفت أن صديقاً لي ممن أعرف، أو بالأحرى ممن كنت أظن أني أعرفه، وكان في يوم من الأيام زميلاً لي في المقاعد الدراسية ملحد، لكم أن تتصوروا!

نشر مرة على صفحته في الفيسبوك منشوراً يقول فيه: "من طبع الإنسان الكذب… ففي وقتنا الحالي أصبحنا نكذب أكثر مما نتنفس… ومن قال لك إنه لا يكذب فتأكد أنه يكذب"، إلى هنا كل الأمور عادية، منشورة عادية، وأعجبتني ضغطت jaime أو like؛ ليصلني بعدها تعليق من صديقة له قالت: وأنت متى كانت آخر كذبة لك؟ فرد عليها ليقول: قبل خمس عشرة دقيقة، ردت وسألت: ماذا كانت؟ رد: أتتني جدتي تشتكي لي وجعها وأخبرتني أنها مريضة، فقلت لها الله يشفيك.

قرأت المنشور والتعليقات عدة مرات، وركزت فيها حتى أفهم أين تكمن كذبته في مرض جدته أم في تمنيه الشفاء لها أم ماذا! تخمينات كثيرة ولن يفسرها إلا هو، فأرسلت له على الخاص حتى يفسر لي ماذا يقصد، فقلت له:
– أعجبني منشورك وأدهشتني كذبتك.. ماذا تقصد بها؟
أجابني:
– فلتخمني.
– أتعتقد أنني سألتك قبل أن أخمن، صدقني خمنت حتى التخمين خمن معي، ولم نجد تخميناً يليق وينطبق على تعليقك.
أكيد أني لم أتصور أن كذبته في "الله يشفيك"، فهو في العادة معنا يلقي السلام والرحمة، يهنئنا بالأعياد، ولا مرة أحسسنا أو تصورنا أنه ملحد، ولا يؤمن.
أجابني قال: لأني لا أؤمن بوجود الله.
– لا تؤمن! أتقصد أنك ملحد؟!
– نعم.
– صدقاً
– والله.
أرسلت علامات استفهام وتعجب.
– والله؟!
وحينها تذكرت مقولة أحمد توفيق -"كان ملحداً متعصباً.. وقد راح- أثناء مناقشتي معه، يقسم لي بالله العظيم أنه على حق!
– لا تؤمن بالله وتحلف به.
– حلفت به؛ لأنك أنت التي تؤمنين به.
وبماذا أحلف أنا حتى يصدقني أنني اندهشت.. صدقاً اندهاشي وقتها لا يمكن وصفه، كيف لا وصديق لي ملحد!…صديق كثيراً ما كنت أعطي به المثل في التربية والثقافة والخجل، صاحب الأخلاق الحميدة التي يشهد له بها كل من يعرفه، لا يضيع وقته في الهراء، ولا مرة صادفته ولم أجد في حوزته كتابا، وهنا المصيبة تصديقه لبعض الكتب التي قرأها أخذه للمجهول؛ لهذا قلت في البداية: لا تتورط بالقراءة إن كنت تصدق كل ما تقرأ.
(يتبع)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد