لا شك عندي في أن كل مَن شارك في نكسة 30 يونيو/حزيران (من السياسيين) كان يعلم في قرارة نفسه وفي أعماق ضميره أنها مجرد غطاء مدني لانقلاب عسكري؛ ولكن منهم من أرادها (انقلاباً جزئياً) على الرئيس محمد مرسي فقط، ومنهم من أرادها (انقلاباً شاملاً) على ثورة 25 يناير/كانون الثاني وكل ما تمثله.
قد يقول قائل إن جميع هؤلاء يمكن وضعهم تحت مسمى انقلابيين؛ لأنهم اتفقوا في المبدأ وإن اختلفوا في الغاية، ولكنا نقول: ليسوا سواء، وأفضلهم من أفاق ضميره مبكراً في 3 يوليو/تموز، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم حتى مجزرة رابعة!
إيراد هذه المقدمة ليس من باب تقليب المواجع أو محاسبة الناس، ولكن لهدف مهم جداً، وهو توضيح لأمر غاية في الخطورة، فبعد ثلاث سنوات من انقلاب 30 يونيو، اتسعت رقعة رافضي الانقلاب (سياسياً)؛ لتشمل الكثير ممن دعا لمظاهرات 30 يونيو وأيد إجراءات عزل الرئيس محمد مرسي وتعطيل الدستور الشرعي.
وفي خضم الحديث عن الانقلاب يحرص هؤلاء على توضيح موقفهم المعارض للسيد الرئيس مرسي، وهذا مفهوم ومقبول، إذا أرادوا به الحفاظ على مسافة بينهم وبين الإخوان، لاعتبارات سياسية وأمنية مفهومه.
أما غير المقبول فهو أن يصر هؤلاء الأصدقاء على موقفهم الخاطئ الذي أعطى المبرر للانقلاب؛ وهو عدم الاعتراف بشرعية الرئيس مرسي، هذا برغم أن جوهر رفض الانقلاب هو الاعتراف بشرعية الرئيس المنقلب عليه (مهما كان موقفك منه)؛ لأن التعريف الوحيد للانقلاب هو: "إزاحة رئيس شرعي منتخب من منصبه بالقوة العسكرية"، فإذا كنت توافق على إزاحة الرئيس من منصبه بالقوة فماذا ترفض في الانقلاب؟!
أن تقول إنك ترفض الانقلاب، وفي نفس الوقت، لا تعترف بشرعية الرئيس الذي تم عليه الانقلاب، فهو كأنك تتهم لصاً بسرقة جرس المسجد أو هدم مئذنة الكنيسة!
بمعنى آخر، وبوضوح، أن تصر على نزع الشرعية عن الرئيس محمد مرسي، هو إصرار على موقفك القديم من الانقلاب في يوم 30 يونيو. ولا شيء تغير -على الحقيقة- غير أنك مؤيد للانقلاب "الجزئي" الذي يحقق مصالحك الشخصية والحزبية، وترفض "الانقلاب الشامل" الذي يتعارض مع مصالحك.
إذا كان الحال كذلك، فإنك ليست لديك مشكلة في مبدأ الانقلاب؛ ولكن مشكلتك تتلخص في أن الانقلاب لم يحقق لك المصالح والمكاسب التي كنت تتوقعها منه.
وإلا فأخبرني كيف تدعي أنك ترفض الانقلاب ثم تتمسك بأهم نتائجه، وهي إزالة صفة "الشرعية" عن الرئيس الذي قام عليه الانقلاب؟
هذا توضيح لا بد منه، يلزم معه التأكيد على أن التمسك بـ"شرعية مرسي" لا يعني بالضرورة أن كاتب هذه السطور يحلم ليل نهار بعودة مرسي لكرسي الحكم، ولكنه يعني أن (شرعية مرسي) مبدأ يجب أن يبقى في ذاكرة هذه الأمة وضميرها، حتى لو أعدموا مرسي واستمر العسكر في الحكم لستين سنة أخرى.
لنترك للأجيال القادمة نجاحاً واحداً، وهو ثباتنا على المبدأ والتضحية في سبيله، لنقُل لهم: إننا لم نتنازل عن "حق الأمة" في أن تختار مَن يحكمها، ووقفنا شامخين كالجبال في وجه أعنف انقلاب عسكري في التاريخ المعاصر.
التدوينة الأصلية منشورة على موقع كلمتي .
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.