Thinks Tanks هو مصطلح كان يعني في أوائل القرن الماضى: "الذهن"، ثم تطوّر معناه منذ أواسط ذلك القرن فأصبح يعنى ما يمكن أن نسميه بـ"صهاريج الفكر" على أساس أن معنى "tank" هو الصهريج أو الخزان الكبير الذي نودع فيه ما نحتاج إليه من ماء أو نفط أو ما إلى ذلك، وتعرّفه موسوعة ويكيبيديا بأنه خلية تفكير.
والمقصود "مؤسسات البحث" وهي مؤسسات تلجأ إليها بعض الحكومات والهيئات للاسترشاد بما يمكن أن تمدّها به من أفكار ودراسات وتحليلات وتوقعات واقتراحات في حلّ ما يواجهها من مشاكل أو في رسم ما يتعين عليها انتهاجه من سياسات وخطط في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها.
ربما بدأت فكرتها في الستينات أو السبعينات من القرن الماضي من خلال مؤسسات بحثية بسيطة تقدّم خدمات ودراسات لقطاعات البنوك أو القوات المسلحة؛ على أن الاهتمام بها تطوّر فيما بعد وأصبحت هذه الـThinks Tanks اسماً مرادفاً لمراكز القرار وإحدى اللوازم الأساسية التي لا يمكن إصدار القرارات وانتهاج السياسات من غير الاستعانة بهذه المراكز التي جرى الإنفاق على ميزانياتها ببذخ يتناسب مع الدور المأمول منها.
حتى نتعرف على أهميتها ومشاركتها في صنع السياسة العامة للدول نستعرض -مثلاً- بعض هذه المراكز التابعة للكونغرس الأميركي، وذلك بحسب بحث قيّم عنوانه (مراكز التفكير ودورها في التأثير على صنع السياسة) للباحث السياسي هزار صابر أمين؛ حيث يعدّد بعضها فيذكر:
1- مكتب المحاسبة العامة (General Accounting Office)، جهاز تحقيق تابع للكونغرس الأميركي، وتبلغ ميزانيته ما يقارب (300) مليون دولار، كما يبلغ عدد موظفيه (500) موظف، ومهمته القيام بالدراسات فيما يتعلق بالتجارة الخارجية والطاقة والتمويل ومعونات التنمية للدول الأجنبية.
2- مركز الكونغرس للخدمات البحثية (Congressional Research Service)، هذا ذو اهتمامات متعددة وخاصة السياسة الخارجية والعلاقات الدولية .
3- مكتب الكونغرس للميزانية (Congressional Budget Office) متخصص بشؤون الميزانية وتقييم أبعاد أوجه الإنفاق المختلفة وتحديد الآثار التي تترتب على خفض أو زيادة ميزانية بعض البرامج.
4- مكتب تقييم التكنولوجيا (The Office of Technology Assessment)، يساعد الكونغرس على فهم تعقيدات التكنولوجيا الحديثة وإصدار التشريعات بشأنها.
في ظاهر الأمور ووفق منطقها قد يكون في الاستعانة بـ"ثينك تانكس" دعماً للقرار وتقويماً للسياسات التي تنتهجها الدول والخطط التي تقوم على تنفيذها متى ما تحققت لها الاستقلالية التامة من الضغوطات والابتزازات أو ما شابهها من عيوب أخذت تتزايد في كثرة من المؤسسات والمراكز الدولية التي تقوم بإجراء بحوث ودراسات وحوارات ظاهرها مسائل حقوقية وباطنها لا يعلمه إلاّ الله، ويزيد الغموض حولها حينما تتركز مجاهرها وبالتالي تقاريرها على دول عربية وإسلامية محددة أو قضايا فيها بعينها حتى إنه تم تسميتهم بالمستشرقين الجدد كما في الكتاب الذي أصدره في العام 2007م الدكتور مصطفى عبدالغني (المحرر الأدبي بجريدة "الأهرام" المصرية) بعنوان "المستشرقون الجدد – دراسة في مراكز الأبحاث الغربية" ويتناول فيه ما يراه ظاهرة طارئة في عالم الاستشراق، ألا وهي تحول المستشرق التقليدي إلى خبير في مراكز البحث التي تعتمد عليها الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، فى رسم سياساتها تجاه العالم العربي والإسلامي.
وقد ترجم المؤلف في هذا الكتاب مصطلح Thinks Tanks أحيانا بـ"دبابات الفكر" لـَمْحًا منه لدور تلك المراكز المدمر بالنسبة للدول الصغيرة التي كُتِب عليها الاكتواء بنار السياسة المبنية في ضوء ما يبديه العاملون فيها من أفكار واقتراحات مجرمة ظالمة.
وبحسب العديد من الدراسات، فإن هذه المراكز Thinks Tanks أخذت تلعب دوراً كبيراً في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية، وتقوم بإمداد صانعي السياسة الأميركية ووسائل الإعلام بتحليلات ودراسات تتعلق بقضايا هامة وتشارك كذلك في تحديد المسارات التي يجب أن تسلكها الحكومة الأميركية في تعاملها مع هذه القضايا. وأخطر ما في هذه المراكز هو نوعية الخبراء المنضوين فيها؛ إذ يمكن تقسيم خبراء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، بحسب دراسة لشبكة النبأ تحت عنوان "من هم خبراء الشرق الأوسط داخل واشنطن؟" إلى ثلاث فئات رئيسية:
– الفئة الأولى، هم الأكاديميون المتخصصون في دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الخارجية في الجامعات الأميركية.
– الفئة الثانية، الباحثون والخبراء العاملون في مراكز البحوث Think Tanks ، وهم خليط بين أساتذة الجامعات والمفكرين والمسؤولين السابقين في الإدارات الأميركية المتعاقبة. ويعتبر كل من هنري كسينجر وزير الخارجية الأميركية الأشهر ودينيس روس المنسق السابق لعملية سلام الشرق الأوسط ومارتن أنديك مدير مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط من المرجعيات الأساسية التي يتم استشارتها من قِبل صانعي السياسة الأميركية ولجان الكونغرس عند مناقشة قضية من قضايا الشرق الأوسط خاصة الصراع العربي الإسرائيلي.
– أما الفئة الأخيرة، فتتكون من الناشطين السياسيين وأصحاب الأيديولوجيات خاصة اليمينية أو المناهضة للعرب والمسلمين، والذين يقدَّمون بوصفهم خبراء في شؤون الشرق الأوسط بناء على مواقفهم السياسية والفكرية المثيرة للجدل.
الأمر الأهم في مسألة خبراء وموظفي هذه المراكز هو ما أشار إليه الباحث السياسي هزار صابر أمين في بحثه السابق ذكره؛ حيث بيّن أن قطاع الثينك تانكس في الولايات المتحدة الأمريكية إما هم أنفسهم صناع القرار والسياسة السابقون أو يصبحون صناع السياسة في المستقبل. (لأنه تحتم تقاليد السياسة الأميركية قيام كل رئيس جديد بتعيين حوالي (4000) شخص في مناصب سياسية وإدارية وقضائية هامة، من بينهم (600) شخص كوزراء ومستشارين ونواب الوزراء ومساعدي الوزراء وموظفي البيت الأبيض وحوالي (1000) شخص كسفراء وقضاة وحوالي (2200) شخص كمستشارين وأعضاء في اللجان المختلفة التي يتم تشكيلها لمتابعة قضايا مختلفة وهامة، وفي العادة تأتي غالبية هؤلاء من مراكز التفكير والأبحاث ومكاتب المحاماة الاستشارية الخاصة الموجودة في العاصمة واشنطن، وباحتلال الطاقم الجديد للمناصب الحكومية الهامة تقوم غالبية أعضاء الطاقم القديم بشغل معظم الوظائف التي تصبح شاغرة في تلك المراكز والمكاتب وهذه العملية (التبادل للمراكز والأدوار) تستمر!!
في المحصّلة، يجب أن ندرك أن الغرب وسائر الدول المتقدّمة قد استأثرت بساحة الـThinks Tanks حيث تُنفق عليها أموالاً طائلة وتُوفر لها إمكانيات وقدرات ضخمة لا لشيء سوى حرصها على أن تكون قراراتها وسياساتها وخططها مدعومة بالمعلومات والبيانات وقائمة على أسس ومكونات البحث العلمي، في الواقع زيادة القراءة والاطلاع على ماهية هذه المراكز وأنواعها وعناوين الدراسات الصادرة عنها -ربما- تساعد على اكتشاف سرّ تقدّم دول وتخلّف أخرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.