نحن كنا السابقين وأنتم الآن اللاحقون، مررنا مثلما تمرون الآن من عنق الزجاجة بعد ما كنا نظن حينها أن العالم يبدأ وينتهي عند لجان الثانوية العامة، وكأنها المحطة الأولى والأخيرة في قطار النجاح، كنا مثلكم لا ننام إلا على تلال الكتب ونصارع القلق والتوتر والضغط من مجتمع فاشل لا يرى النجاح إلا في الدرجات النهائية التي لم ينهِ بها فشله يوماً، كنا مثلكم لا نرى للحياة آفاقاً تبتعد عن مكتب التنسيق الذي لا ينسق إلا وهماً.
كنا نظن يوم انتهى آخر اختبار أنه ليس هناك شيء آخر يكدر صفو حياتنا، فإن كابوس الثانوية قد انتهى، وما أدراك ما هو! ولكن يسعدني أن أطمئنكم أن اختبارات الثانوية بهواجسها ومصائبها وتسريباتها وأزماتها ليست مهمة إلى هذا الحد، كما تظنون وكما كنا نظن يوماً، ستدركون -كما أدركنا- حين تنقضي أعوام الدراسة أن اختبارات الحياة لا يجدي معها غشاً أو تسريباً وأن من لم يستعد اليوم لها لن ينجح فيها أبداً، فما يضيركم إن خسرتم حفنة من الدرجات لتربحوا احترامكم لأنفسكم؟
أعلم أن حديثي قد يبدو ضرباً من الجنون، فمن البداهة أن يبدو الإحباط الآن هو سيد الموقف، وذلك بعد أن رأيتم مجهودكم يذهب سُد" على أوراق اختبارات تم تسريبها وأخرى تم تأجيلها وغيرها تم إلغاؤها وكأن ليس لديكم ما يكفيكم من رصيد القلق، أعلم أن براعم قلوبكم الشابة لا تحتمل كل هذه الارتباكات والمقلقات، ولكن ستندهشون حين تعلمون أن النجاح لا يهتم بدرجاتهم النهائية ولا بكليات قمم قاعهم ولا بتعريفهم الساذج والبالي للتفوق، ليتكم تعلمون عدد هؤلاء الطلاب الذين حققوا درجاتهم المنشودة ثم التحقوا بجامعات أحلامهم ثم التحقوا بسوق العمل ففشلوا فشلاً ذريعة؛ لأن عقولهم كانت ضحية نظام تعليمي يعتمد على الحفظ لا الفهم، والتلقين لا التعليم، والحشو لا الإبداع في عالم أصبح لا يهتم إلا باقتصاد المعرفة أو ما يسمى الـknowledge economy.
طبقاً لأحدث إحصائية أصدرها المنتدى الاقتصادي العالمي، في تقريره عن مؤشر التنافسية السنوي لعامي ٢٠١٥/٢٠١٦ فإن مصر احتلت المرتبة قبل الأخيرة في مجال التعليم على مستوى ١٤٠ دولة في العالم، متفوقة بذلك على غينيا! إذن، فلا يوجد في الحقيقة لبن مسكوب لكي يُبكى عليه، إنه ليس من ضروب المنطق أن نحزن أو نتنافس على تلك الرتبة المتدنية.
ولكن دعني أخبركم أن صورة مستقبلكم ليست قاتمة كما تبدو لكم الآن، فإنه يوجد الكثير الذي يمكنكم فعله، إن كنتم تسعون نحو التعليم والنجاح فأطمئنكم أنكم لن تجدوه في مؤسساتنا التعليمية، ستجدونه في أروقة الكتب التي تحبونها وفي كورسات التعلم المجانية التي تقدمها أفضل جامعات العالم للطلاب في كل مكان، ستجدونه في التدريب المهني والممارسة العملية في سن مبكرة للتفوق على الأقران في سوق عمل أصبحت تتسم بالتنافسية الشديدة في شتى التخصصات والمجالات، وستجدونه حتماً ويقيناً في مهارة التخطيط للمستقبل وتحديد الأهداف والأولويات وتمييز المواهب التي ميزها الله بكم عن غيركم، ستجدونه في التعلم المستمر مدى الحياة والسعي الدائم نحو الأفضل، وفي الإحسان والإتقان وابتغاء العلم لذاته، ستجدونه في الامتناع عن النظر لامتحان تم تسريبه مخافة نظر الله إليكم حينها.
صبركم الله وأعانكم على بناء ما هدمه السابقون، وأثاب جهودكم بفضله وعدله وكرمه، وجعلكم أنتم القادرين على إصلاح حال البلاد والعباد.
تذكروا أن الله لا يضيع أجر مَن أحسن عملاً، وأن كل مُر حتماً سيمُر.. وأعدكم ستكونون بخير.