يشكل التوجه السياسي الجديد في العلاقات السياسية الخارجية للدولة التركية مسعى من قبل صناع السياسة التركية لفك العزلة النسبية التي تعاني منها أنقرة في علاقتها الخارجية، فما أحدثته أزمة العلاقات مع روسيا عقب إسقاط المقاتلة الروسية سوخوي 24، تركت تداعيات سلبية على الدور التركي في سوريا والتي تخص بشكل مباشر الأمن القومي لتركيا، فالتهديدات القادمة من الأراضي السورية معقدة وشائكة، فمن جهة تواجه تركيا التجمعات الإرهابية التي تسطير على جزء من الحدود مع سوريا ومن جهة أخرى تواجه تنظيم بي واي دي الإرهابي.
وخوف أنقرة على الجغرافيا السورية لا يفارق فكرها السياسي، وتبقى عينها شاخصة على تطلعات القوى الكبرى لحل الأزمة السورية، هذه الانعكاسات تجبر تركيا على إعادة برمجة توازناتها الأمنية فيما يتعلق بالأزمة السورية بما يضمن سلامة أمنها القومي.
فخلاف تركيا مع روسيا حرم مقاتلاتها من التحليق فوق الأجواء السورية لضرب التجمعات الإرهابية التي تستهدف المدن والبلدات التركية الحدودية مع سوريا، ويجد الجيش التركي نفسه مرتبكًا لعدم قدرته على استهداف هذه التجمعات بالمقاتلات الحربية، فتقتصر عمليات الاستهداف على سلاح المدفعية الذي يصل لمستويات محددة.
ولما تأزمت العلاقات التركية الروسية فقدت تركيا توازنها في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وصارت بحاجة لقوتها في مواجهة الروس، وبالتالي جنوح السياسة التركية للتوجهات الأمريكية في الأزمة السورية، حيث ضعفت توجهات أنقرة في التعامل مع الصراع السوري وإشراك رؤيتها في حل الأزمة، كما وتسعى المنظومة الغربية لفك تركيا عن المشرق العربي بتأسيس كيان كردي في الشمال السوري يفقدها العمل الجغرافي مع بلدان المشرق، وهذا المخطط نسخة طبق الأصل عن المشروع الصهيوني الذي فصل مصر وشمال إفريقيا عن بلاد المشرق العربي بتأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي بينهما.
واليوم وبعد مرور تنظيم بي واي دي الإرهابي غرب الفرات والذي كان عبوره خطًا أحمر بالنسبة لأنقرة، وإن كانت تركيا أخذت ضمانات من الأمريكان بإعادة التنظيم إلى مواقعه بعد هزيمة التجمعات الإرهابية غرب نهر الفرات، إلا أن المشهد السياسي وحالة العزلة النسبية التي تمر بها أنقرة، يعد كافيًا للأمريكان بألا يقيموا اعتبارًا لأنقرة في نقض عهدها معها، وهو بالأصل طموح المنظومة الغربية لإنشاء هذا الكيان.
فترى تركيا بعودة العلاقات مع روسيا فرصة قوية للخروج من عباءة التوجهات الأمريكية التي اضطرت دخولها لحظة انهيار العلاقة مع الروس، فتصبح أنقرة أكثرة قدرة ومناعة في الابتعاد عن حاجتها للقوة الأمريكية لتصالحها مع روسيا، ما يعني عودة القدرات التركية في المناورة السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية بالملف السوري، وإشراك رؤيتها في تطلعات القوى الكبرى لحل الأزمة السورية، وتصبح أكثر قوة في مواجهة الاتحاد الأوروبي الذي يبتز أنقرة في عزلتها، لذلك قدمت تركيا اعتذارًا لموسكو عن إسقاط المقاتلة الروسية لتطويع السياسة لصالح الأمن القومي ولعودة التوازنات إلى ما كانت عليه قبل إسقاط الطائرة.
وبعودة العلاقات مع روسيا سيعود معها تحليق الطيران الحربي التركي في الأجواء السورية واستهداف التجمعات الإرهابية التي تستهدف المدن والبلدات التركية، وربما تطرح أنقرة على أمريكا خروج فوري لتنظيم بي واي دي الإرهابي من المناطق التي دخلها غراب الفرات، واستبدالهم بقوات من الجيش السوري الحر لإخراج التجمعات الإرهابية من غرب الفرات، حتى تسيطر على هذه الجغرافيا قوات منسجمة مع تطلعات تركيا.
وبهذا الاتفاق تضمن تركيا استخدام قوتها الجوية لمجابهة الحاجز الكردي الذي تسعى المنظومة الغربية لإقامته في الشمال السوري، بعد أن أصبحت الأجواء السورية أمانًا للطيران الحربي التركي، عبر استهدافه وتحجيمه ومنعه من التمدد على بقية الجغرافيا الشمالية لسوريا، وصارت القوات التركية بمنأى عن الاشتباك مع القوات الروسية إن قررت الحكومة التركية التدخل البري في سوريا إن رأت بأن لا سبيل سوى التدخل البري لحماية أمنها القومي القاضي بمنع تأسيس كيان كردي انفصالي في شمال سوريا.
هذه التدوينة منشورة على نون بوست ..للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.