مجازرُ وانتهاكاتٌ شاهدوها بأعينِهم وشهدَتْها أجسادُهم، بعد أن جفّتْ عروقُهم وتضوروا جوعاً وضرباً مُبرّحاً؛ ليشهدوا بلسانٍ واحدٍ: الفاعل هو الحشدُ الشعبي.
مع كلِّ خطوةٍ نحو قلبِ الفلوجة كان الضحايا من المدنيين يزيدون، تنظيمُ داعش اتخذهم دروعاً بشريةً، والحشدُ يتّهم أهالي الفلوجةِ بالدواعش ويفعل بهم الأفاعيل، ضرْبٌ بأدواتٍ حادةٍ وجَلْدٌ بأسلاكٍ كهربائيةٍ، وتفنُّنٌ في الإيذاء الجسديّ والنفسيّ، وكلماتٌ نابيةٌ قبيحةٌ وطائفيةٌ يتبارَون في قولها، ويرفعون أصواتَهم النشازَ بها، ويُجبرون مَن اعتقلوهم على سبِّ أنفسِهم ودينِهم ورموزِهم.
اعتقلوهم وهم يدّعون أنهم جاءوا لتحريرهم، وحَشرُوهم في حاويةٍ واختاروا بعضاً منهم؛ ليشفوا غليلَهم بحجة الثأرِ لمجزرة سبايكر، قتلوهم وصوّروا فِعلتَهم ولم يخجلوا ولم يخافوا، فممّنْ يخافون؟!! لا حكومةَ ترى ولا مرجعيات تَسمع ولا منظمات دوليةً توثّق ولا سياسيين تهتزّ ضمائرُهم لما حصل إلا ما ندر.
عضوُ مجلسِ محافظة الأنبار راجع بركات طالبَ العبادي ووزراءه بمغادرة العراق، بعد أن عَجَزَ عن حماية المدنيين من أهالي الفلوجةِ، وهو القائدُ العامُّ للقوات المسلحة، مناشداً رئيسَ البرلمان وسياسيي المحافظةِ الجالسين في بغداد أن يكونوا مع أهلِ الفلوجة لما يتعرضون له، وإيقافَ تلك المجازرِ والانتهاكات التي يتعرّضون لها على أيدي عناصرِ الحشد، وأن لا يضيّعوا الأنبارَ كما ضاعتْ محافظةُ ديالى من قبل، رافضاً إهانةَ أهالي الفلوجة من أيِّ طرفٍ كان.
القانونُ الأميركيُّ ينصّ في إحدى فِقراته: (أنّ وجودَ أدلةٍ دامغةٍ على ارتكاب العنفِ من قِبل القوات النظامية لأيِّ دولةٍ أجنبيةٍ ضدَّ حقوقِ الإنسان في ذلك البلد، حينها يتوجّب على الحكومة الأميركية قطْعُ مساعدتِها لتلك الدولة)؛ ليبقى السؤالُ هنا: لماذا تساعد واشنطن الحكومةَ العراقيةَ، وهي ترى كلَّ هذه الجرائمِ والانتهاكات؟
إنّ ما تقوم به القواتُ الخاصةُ العراقيةُ بحقّ المدنيين أمرٌ فظيعٌ، ومرفوضٌ بالمرّة ومُدانٌ، وإنّ تلك الأفعالَ تؤكد أنْ لا معنى لحقوقِ الإنسان ولا لحياته، وإنّه فِعْلٌ بربريٌّ وحشيٌّ وهو دليلٌ على فشل السياسةِ الأمنيةِ التي اتّبعناها في العراق، حسب الكولونيل الأميركيّ المتقاعد في القوات الخاصةِ الأميركيةِ جيمس گافرلز.
نَدَمٌ تملّكَ أولئك الخارجين من جحيم الفلوجة، ويُقسمون إنّ الموتَ أهونُ على نفوسهم من سماع سيلِ الشتائمِ والسُّبابِ الذي طفحتْ به أفواهُ عناصرِ الحشد. يقول أحدُ الناجين: (تحمّلنا الجوعَ والعطشَ ولم نخرجْ إلا لمّا كان الجيشُ العراقيُّ على مقربةٍ منّا، لكنْ يبدو أنّ سراباً أغرى عيونَنا بالنجاة، فما إنْ وصلنا إليهم حتى تلقّفَنا عناصرُ الحشد، وكأنّهم ظفِروا بالبغدادي نفسِه، فراحوا يُرُونَنا من أنفسهم أبشعَ ما جُبلت عليه الشياطين، نعم الشياطين فلا أظنُّ أنّ بشراً يمكن أن يعيشَ بهذا الكمِّ الهائلِ من الوحشية في داخله).
القضيةُ أصبحت معروفةً للقاصي والداني وشهودُها كُثر، وأولئك الذين جاءونا بالديمقراطية مُكتفون اليوم بالتحليق فوق موقعِ الجريمة دون تحريكِ ساكن.
(ولا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) [سورة إبراهيم].
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.